لم يأت بيان رئيس الجمهورية ميشال عون، الثلاثاء في 30 كانون الثاني 2018، على قدر تطلّعات رئيس مجلس النواب نبيه بري. ولم يرتق في نظر عين التينة إلى مستوى الأزمة والإهانة التي وجّهت إلى بري. ثمة ملاحظات كثيرة يسجّلها حزب الله وحركة أمل على البيان الرئاسي، وتصفه مصادر متابعة بأن فيه كثيراً من "الفاولات"، التي توضح مدى تغطية رئيس الجمهورية وزير الخارجية جبران باسيل في وجه رئيس السلطة التشريعية. وتفنّد المصادر ما ورد في الخطاب قائلة: "أولاً تعمّد البيان وصف ما حصل، الاثنين، بأنه أساء إلى الجميع، وبأن ما حصل على الأرض خطأ كبير بُني على خطأ. وهذا الكلام يعني أن عون بدّى الخطأ في الشارع على الخطأ بحق رئيس المجلس".
تابع البيان بأن الرئيس يتطلّع إلى أن "يتسامح الذين أساءوا إلى بعضهم البعض، لأنّ الوطن أكبر من الجميع، وهو أكبر من الخلافات السياسية التي لا يجوز أن تجنح إلى الاعتبارات الشخصية، لاسيّما أنّ التسامح يكون دائماً بعد اساءة". وهذا خطأ جديد في مضمون البيان، لجهة وضع بري في وجه باسيل في إطار واحد، والمساواة بينهما. وهذا ما استفزّ رئيس مجلس النواب، وفق ما تقول المصادر التي تعتبر أن أزمة كهذه لا يمكن أن تُحلّ على طريقة "تبويس اللحى". وتعتبر المصادر أن البيان مخيّب للآمال، وهو أعطى فرصة لباسيل لعدم الاعتذار.
وعلى نحو بيان الرئيس، جاء بيان تكتل التغيير والإصلاح، الذي ساوى أيضاً بين كرامات اللبنانيين، واعتبار أن شعار المسامحة هو الأمر الأفضل، في محاولة من التكتل للمساواة بين ما قاله باسيل وما ارتكبه عناصر حركة أمل في مقر التيار العام. وتعتبر المصادر أن تكتل التغيير والإصلاح أراد التهدئة من دون التراجع كي لا ينعكس ذلك سلباً على شعبيته، وبأنه ينتهج المسار الذي انتهجه مع أزمة المرسوم، باعتبارها انتهت. وتشير المصادر إلى أن القصة لم تنته هنا، خصوصاً أن التيار الوطني الحر لا يزال يصرّ على اللعب على الوتر الشعبوي، واعتبار أن ما يفعله هو للدفاع عن حقوق المسيحيين، ولاستكمال مسيرة الإصلاح، وبأنه لن يتراجع عن هذه المسيرة. وهذه أيضاً تقرأ فيها المصادر رسائل مبطّنة لن يكون من السهل تجاوزها.
وسط ذلك، استمرّت أجواء التضامن مع بري، الذي بدا متمسكاً بموقفه، وهو أبلغ الوسطاء الذين دخلوا على الخطّ، بأنه لن يتنازل، إلا بتصحيح الموقف بشكل علني. فيما هناك من يشير إلى أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبته حركة أمل هو إحراق الإطارات والتظاهرات التي حصلت بالشكل الذي حصلت فيه، بالإضافة إلى الوصول إلى محيط المقر العام للتيار في ميرنا الشالوحي. وهذا ما استفز الشارع المسيحي لمصلحة باسيل. "عدا ذلك، كان باسيل محشوراً في خانة اليك". وتعتبر المصادر أن أمل تعمّدت تكبير حجر التظاهر، للقول إنه لن يمرّ شيء في البلد، ما لم تتم معالجة الأزمة بالشكل الملائم. وأكثر من ذلك، تضمّنت الاحتجاجات رسالة أساسية فيها توعّد لما يمكن أن يحصل في ما بعد.
رغم التوترات، يؤكد كل من حزب الله وبري أن الانتخابات ستحصل في موعدها، وأن لا شيء سيحول دون إجرائها. مع التأكيد بأنها ستحصل وسط أجواء محمومة ومتوترة جداً، وستشهد سجالات عنيفة بين جهات عدة. ما تستفيد منه قوى متعددة، كتيار المردة، والكتلة الشعبية وغيرهما، باعتبار أنهم غير قادرين على مواجهة باسيل، فجاء من يواجهه. ولكن، لم يعد السؤال متعلّقاً بالانتخابات النيابية، بل ماذا بعد الانتخابات؟
في معرض طرح مسؤولي أمل مطلب استقالة باسيل من الحكومة، هناك من يعتبر أنه بعد الانتخابات لن يكون من السهل تشكيل الحكومة، لأن بري لن يرضى بباسيل وزيراً فيها. ويستطرد مسؤول بارز قائلاً: "لن يبقى السؤال عن قبول بري بباسيل وزيراً، بل يتوسع ليشمل الرئيس سعد الحريري. فكيف لرئيس مجلس النواب القبول بالحريري رئيساً للحكومة بعد ما حصل، طالما أنه مستمر بالتحالف مع باسيل؟". يضيف: "حتى الآن لم يوافق بري على منح الحريري موعداً، فكيف سيسميه رئيساً للحكومة؟". ما يعني أن الثمن الأكبر على المدى البعيد لهذا الصراع سيدفعه الحريري وليس أي أحد غيره.
بري لن يسامح: تغطية عون لباسيل "فاول"
منير الربيعالثلاثاء 2018/01/30

لم يعد السؤال متعلقاً بالانتخابات النيابية، بل ماذا بعد الانتخابات (ريشار سمور)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها