موسم الانتخابات النيابية كان موسم نشاط تعبوي سياسي لدى أحزاب المعارضة الشعبية، ومثله كانت مناسبات الانتخابات في الأوساط النقابية والتعليمية والمهن الحرة وغيرها.
تحتل الانتخابات النيابية موقعاً مهماً ضمن مجموعة الانتخابات التمثيلية الأخرى، فهذه الأخيرة التي تعكس وزن المعارضة في القاعدة الاجتماعية عموماً، تجد تجليات وزنها في مناسبة تجديد التمثيل السياسي الذي يشكل اختيار "الطبقة السياسية" المناط بها قيادة العملية السياسية والاجتماعية، ميدان ترجمة هذا الوزن إلى عدد من النواب الناطقين باسم المعارضة الشعبية، والواقفين على الخصام مع نهج "السلطة" المشكو من برامجها، اجتماعياً وسياسياً وعلى كل المستويات.
يقدم التاريخ السياسي للأحزاب مواقف مختلفة من عملية الاقتراع، ومواقف متباينة تجمع بين الدعوة إلى مقاطعة المساهمة في الاقتراع، أو المشاركة بأساليب مختلفة فيه. خلفية الاهتمام بالأمر هي استغلال ما يتيحه الموسم الانتخابي من حرية في القول، وما يرتبه من نشاط في العمل، في لحظة "إصغاء سياسي" شعبي عام. هكذا تصير اللحظة لحظة تفنيد وتنديد بسياسات الحكم القائم لخطة ولحظة تبشير بالخطوط المعارضة، وببرامج الأحزاب المتنوعة، ويكون الهدف من اللحظة الوصول كلامياً وخطابياً إلى أوسع وصف شعبي، بحيث يترتب على التعريف بالخط السياسي وبالمشروع "الفكري" وبالبرامج العملية... اكتساب نفوذ متزايد ضمن الأوساط الشعبية التي كانت موضوعاً للمخاطبة.
يَردُ العمل السياسي ومواسمه لدى مختلف الأحزاب، في باب التكتيك والاستراتيجية، أي في باب المتغير اليومي والمرحلي، على طريق الوصول إلى الهدف الأبعد، الذي يدعى استراتيجياً لدى أصحاب المشاريع السياسية الكبرى، ولدى أصحاب الأيديولوجيات الشاملة. بناءً على هذا الباب، أو بين جدران البيت السياسي العام، يناقش التكتيك تفصيلياً لجهة نجاعته "آنيوياً" ومرحلياً، ولجهة صحته وسلامته، أي لجهة انتسابه فعلياً إلى السياق الاستراتيجي العام، هذا كي لا يقع صاحب الخط السياسي في العشوائية العملية، التي يقودها الاختلاط الفكري، والاستنسابية التي تلامس العجز عن مقاربة الصواب السياسي العام، إذا ما أُحسن الظن بأصحاب الاستنساب، وتصل إلى كلمة الانتهازية، إذا نحّى المراقب حسن ظنه ومال قليلاً إلى سوء الظن التشكيكي، الذي يعصم من التبرير، ومن الانتقائية النقدية في الوقت ذاته.
الإطلالة على حال "قوى الاعتراض" اللبنانية، ومجموع "الشخصيات" السياسية التي تتهيأ للموسم الانتخابي اللبناني، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوطئة القصيرة التي وردت أعلاه، فهذه التوطئة تشكل نوعاً من مرجعية قياسية عند نقاش مجموع العملية الانتخابية، لجهة تعريفها وتعريف موقعها في الحياة السياسية المعيشة، ولجهة وصف الائتلاف الحاكم والمتحكم بإدارة شؤون البلاد والعباد، ولجهة القول المعترض الخاص الذي يحدد الأهداف والشعارات والبرامج العملية، ويعيّن سبل نشاطه للوصول إلى أوسع الأوساط الشعبية.
تعيين الذات الحزبية المعترضة، وتحديد الحكم المعتّرَض عليه، أساسيان في عقد التحالفات الانتخابية حيث يجب، والامتناع عنها حيث يكون المردود خسارة سياسية وفكرية، بالقياس إلى الذات الاعتراضية التي جرى إيضاح سياساتها وأهدافها.
حتى تاريخه، يبدو ما ظهر من كلام صادر عن الأوساط الاعتراضية، مخالفاً لمعادلة الاستراتيجية والتكتيك، ولطابع العلاقة الجدلية بينهما، وعلى قاعدة هذه المخالفة جرى "تقزيم" الأهداف، واعتمد الاختزال السياسي بدلاً من المروحة النشاطية الشاملة، بحيث بات المطلوب من هذه الحالة الاعتراضية العمل من أجل الوصول إلى مبنى البرلمان بأي ثمن، وكيفما كان.
ذلك هو الواقع الحالي الذي يتحرك ضمنه المعترضون، من دون خطوط دالة أو هادية أولاً، ومن دون محاذير أو حسابات آنية ولاحقة ثانياً، ومن دون الرضى بالإقامة في موقع العمل الدؤوب الطويل النفس، الذي يراكم أصحابه تباعاً في مرجل اختمار العملية الاجتماعية، التي هي ذات مسار طويل، وسياق معقد ومتشعب الاتجاهات.
وإذ لا نعتبر أن النجاح في كسر طوق التمثيل الشعبي الذي يحتكره الائتلاف الطائفي والمذهبي أمراً ثانوياً، فإننا ملزمون بمعاينة كيفية حصول هذا الكسر، فالكيفية هي التي تحدد إن كان كسراً أم لا، وهي التي تسمح بخلاصة تقول إن ما حصل كان مناورة من قبل الائتلاف القائم لإلحاق فرد معترض من هنا، وفرد معترض من هناك، بتكتلاته النيابية المختلفة. هذا يعني أن الفرق كبير بين كسر يفرضه ميزان القوى الشعبية التي تضغط بثقلها على "الحكم" فتفرض عليه تليين إحكام قبضته، وبين مناورة تجميلية يلجأ إليها الحكم ليزركش حلته الرسمية "بوردة" من بستان الاعتراض، وردة يخبو عطرها ويذبل لونها ما إن يرش عليها الرسمي القليل من نعماء مائه!
لقد حصل ذلك، كي لا يستنكر أحد القول، والبرلمان اللبناني يضم عدداً من الذين قالوا يساراً وذهبوا يميناً، والوضع سيظل مفتوحاً على هذا الانتقال الفكري والسياسي، ما دام القيمون على الاعتراض ينطقون معارضة، ويضمرون استرضاء حراس أبواب جنة الموالاة.
أي سياسة حيال الانتخابات النيابية؟
أحمد جابرالاثنين 2018/01/15

ما هي أحوال قوى الاعتراض (خليل حسن)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها