عاد الهدوء إلى مدينة صيدا بعد ليل من الفوضى والفلتان عاشته المدينة. وكادت الأمور أن تفلت من عقالها، مساء الاثنين، في 2 تشرين الأول، اثر مقتل اثنين من أبنائها في اطلاق نار في حي البراد على خلفية اشكال بين اثنين من أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة. التدخل الفوري للجيش والقوى الأمنية وتوقيف نحو 6 من المتورطين، هو ما لجم التدهور، فضلاً عن أن بنك الأهداف من حرق وتكسير أملاك عائدة للمتهمين بقتل الشابين قد استنفذ.
فوضى وشغب
لا خلفية حزبية أو سياسية لهذا الحادث الأمني، الذي هز عاصمة الجنوب وروع أهلها، على ما تجزم قوى سياسية عدة. فطرفا الاشكال يؤيدان قوى ومرجعيات تدين بالولاء لما يسمى فريق الممانعة، "وكلهم سرايا مقاومة"، وفق تعبير صيداويين. ما فسر الدخول القوي لحزب الله على خط المعالجة عبر مسؤوله الشيخ زيد ضاهر.
فور شيوع خبر مقتل الفلسطينيين إبراهيم الجنزوري، وهو شقيق مرافق الشيخ ماهر حمود، وسراج الأسود، اللذين كانا يناصران أحد طرفي الاشكال أبوعبدالله الصديق، حتى اجتاحت الشارع الصيداوي فوضى عارمة وباتت مقاه ومولدات يملكها صالح شحادة، الطرف الآخر في الاشكال والذي اتُهم فريقه بقتل الجنزوري والأسود، أهدافاً ينتقم منها أولياء الدم. ولم يقتصر الغضب على عائلتي الضحيتين، إنما انضم إليهما آخرون، خصوصاً من أنصار الشيخ حمود، رغم نفيه ذلك.
صباح الثلاثاء، في 3 تشرين الأول، بدت الحركة شبه طبيعية في المدينة مع انتشار قوى الأمن الداخلي. وسجل اقفال مدارس أبوابها نتيجة غياب أعداد كبيرة من التلاميذ، في حين فضلت مدارس أخرى ابقاء أبوابها مفتوحة واعتبار الثلاثاء يوماً دراسياً عادياً. وقد عملت فرق فنية على رفع الأضرار الناتجة من التكسير وحرق المولد والمقهى. ويجزم مطلعون أن الشارع كاد أن ينفلت باتجاه المحظور، معتبرين أن قيادات صيداوية فشلت في لجم جمهورها ولم تستطع السيطرة على غضبه.
مافيا المولدات
لمافيا المولدات في صيدا حكايا متعددة. أربابها يتحكمون في حاجات الناس من دون أي وازع أخلاقي أو رادع قانوني في ظل استقالة الدولة من واجباتها في المراقبة والمحاسبة، خصوصاً أن أصحاب المولدات في صيدا لا يتقيدون كثيراً بالتسعيرة الشهرية التي تصدرها بلدية صيدا. وهم يجنون ملايين الدولارات شهرياً بسبب وجود عشرات آلاف المشتركين.
قبل أشهر معدودة قاد التنظيم الناصري اعتصامات ضد هذه المافيا، رغم أن عدداً من أصحاب المولدات ينتمون إليه. الانتفاضة الشعبية، كما أسماها التنظيم، "حققت أهدافها في إلزام المافيا بالرضوخ للإرادة الشعبية التي انتصرت"، وفق بيانه. وحينها تردد أن الحل قضى بوقف الاعتصامات مع عودة البلدية عن قرارها بسحب يدها من التسعيرة وإلزام هذه المافيا بتسعيرة عادلة. لكن، الواضح أن الانتفاضة لم تؤت ثمارها، بدليل أن الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد يعقد راهناً لقاءات من أجل اطلاق حراك شعبي للضغط مجدداً على مافيا المولدات بتركيب عدادات، فضلاً عن الاحتجاج على الانقطاع شبه الدائم لمياه الشفة.
لا تكتفي مافيا المولدات بالتعدي على الأملاك العامة، انما تتدلى أسلاكها الكهربائية بطريقة تشكل خطراً على حياة المواطنين، في حين أن المواطنين الصيداويين لا يعيرون اهتماماً لنفي قوى سياسية علاقتها بهذه المافيا، بل يتهمون قيادات في المدينة بتقاضي رشى من أصحاب المولدات، جازمين أن فعالية سياسية رفيعة المستوى تتقاضي آلاف الدولارات لحماية هذه المافيا وتوفير غطاء سياسي لها. "لولا الدعم السياسي لما استطاعت هذه المافيات مواجهة الشارع والاعتصامات المنددة بجشعها". أكثر من ذلك، يعتقد كثيرون أن جهات سياسية لبنانية وفلسطينية تستثمر في المولدات، وهي تدثرت عباءة بعض أصحاب المولدات للتغطية عن استثمارها المباشر في هذا القطاع.
تتوحد دويلات المولدات في وجه المطالبات الشعبية. لكنها، تتصارع في ما بينها متى حاول صاحب مولد دخول منطقة نفوذ صاحب مولد آخر. فالشرط الأساسي الناظم لعلاقة هؤلاء عدم التعدي على دويلة الآخر. فقبل سنوات جرى اشتباك مسلح في حي الزهور سقط خلاله جرحى، وفي حي دلاعة. واشكال مساء الاثنين هو الثاني من نوعه. واشكالات أخرى تقع بين حين وآخر بين أرباب هذه المافيا.
كواليس المولدات في صيدا: مافيات وسياسيون
خالد الغربيالثلاثاء 2017/10/03

لا تكتفي مافيا المولدات بالتعدي على الأملاك العامة (خالد الغربي)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها