في محاولة لاستعادة مشهد آذار 1974 في مرجة رأس العين في بعلبك، عندما أطلق السيد موسى الصدر "خطاب القسم الايماني بوحدة لبنان"، حشد حزب الله مناصريه بقاعاً ومن مختلف المناطق اللبنانية في بعلبك، على مقربة مما بات يعرف بـ"ساحة القسم"، محتفلاً بما سماه "عيد التحرير الثاني" من خلال "دحر" تنظيمي داعش والنصرة من جرود بلدات عرسال والفاكهة والقاع ورأس بعلبك.
على عكس الطغيان العددي لرايات حركة أمل التي انتشرت بكثافة على طول الطريق المؤدية إلى موقع الاحتفال، احتكرت رايات حزب الله ساحة الاحتفال. وقد توزعت هذه الرايات مع القبعات إلى جانب بعض الأعلام اللبنانية على المقاعد، وعند مدخل ساحة الاحتفال، ليحضر مناصرو حركة أمل راياتهم معهم، تلبية لدعوة الرئيس نبيه بري، إلى جانب ظهور بضع رايات للتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي، وراية واحدة فقط للجيش اللبناني، في احتفال أراد تكريس معادلة "الجيش، الشعب والمقاومة".
في الشكل يمكن الحديث عن نجاح حزب الله في تجييش بيئته، بحيث أمكن الحديث عن "يوم حشر" في بعلبك، ضاقت معه كل منافذ المدينة في أول احتفال بهذا الحجم ينظمه في المدينة، التي يتنافس الثنائي الشيعي ضمنياً على مرجعيتها. فتطلق عليها حركة أمل "مدينة الإمام موسى الصدر"، فيما سماها منظمو حفل "التحرير" بـ"مدينة المقاومة والسيد حسن نصرالله".
وفي الشكل أيضاً، نجح حزب الله في تعميم "مزاجه الاحتفالي" على بيئته، لتشمل حتى "عوائل الشهداء"، وعناصره المصابين في المعارك، سواء أكان تلك التي خيضت في القلمون وسلسلة جبال لبنان الشرقية، أم في سوريا. فتقدم هؤلاء الحشود الشعبية، مع فصل نسائهم عن الرجال، وحمل كل منهم صورة شهيده، معرباً عن فخره بتضحية قدمت على مذبح الوطن.
بين هؤلاء كانت ليلى حسن نون، والدة علي رائف نون، التي قالت لـ"المدن" إن ابنها "كان أول من استشهد من عائلة نون في حرب القلمون، وقد سمى الحزب أحد شوارع بعلبك باسمه، خصوصاً أن عائلة نون قدمت من بعده سبعة شهداء آخرين".
كذلك، احسان عبدالكريم النمر، التي أعربت عن "ارتياحها" لكون دم ابنها علي، ابن 18 عاماً، لم تذهب هدراً، وتحقق بفضله وفضل رفاقه التحرير، كما قالت.
فيما اعتبرت فاتنة الطقش أنه لولا دماء ابنها مهران، الذي استشهد في عرسال في أولى معاركها ودم رفاقه، لما كان كل هؤلاء الناس يجتمعون في بعلبك للاحتفال بالنصر.
الاحتفالية نفسها انسحبت إلى مصابي الحزب، وإن فضل بعضهم عدم الكلام. فأعرب مهدي شكر، الذي فقد كفيه في معارك القلمون، عن استعداده للمشاركة في أي معركة يدعوه إليها الحزب. فيما دعا محمد مرتضى، من على كرسي متحرك، اللبنانيين جميعاً ليلتفوا حول المقاومة، التي جعلت لبنان أسطورة في دحر "أعتى العصابات وأكثرها إرهاباً".
وفي الشكل أيضاً، كانت لافتة الاجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها المنظمون، وتضييقهم على حركة الصحافيين، في مقابل غياب الاستعراضات العسكرية والمظاهر المسلحة، التي حضرت في الأناشيد الحماسية، التي استحدثت للمناسبة.
أما في المضمون، فرغم استرسال "السيد" في التطرق إلى ملفات لبنان، ودور النظام السوري في "النصر" المحقق أخيراً، وحتى في اتمام صفقة الكشف عن مكان جثامين الشهداء العسكريين، فإن اللافت كان حديثه عن الأمن الاجتماعي لمنطقة البقاع، والذي حمل مسؤوليته إلى الدولة اللبنانية من دون غيرها، في مجتمع اتخذت فيه "العشائر" المقاومة غطاءً لسلاحها المتفلت، والذي يتسبب يومياً بإشكالات في بعلبك ومحيطها.
وكان آخرها عشية التحضير للاحتفال، عندما تطور خلاف بين شخصين إلى تبادل لإطلاق النار في ساحة المرجة نفسها. ما أثار حالة من السخط عبّر عنها مواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما صفحة "بعلبكيات" الناشطة افتراضياً، التي قالت تعليقاً على ارتفاع نشيد "هيهات منا الذلة" في مرجة رأس العين تزامناً مع تبادل اطلاق النار "إننا في بعلبك نُذل كل يوم"، معتبرة أن "مهرجان نصر بعلبك هو يوم نتحرر من الزعران ومن الخوات والسرقة". فيما قال بعلبكيون لـ"المدن" إنه "في مجتمعنا دواعش أخطر من الذين دحروا من الجرود، وهؤلاء تحديداً يجب رفع الغطاء السياسي عنهم، وإلا فالخطر لا يزال متربصاً بنا".
عيد التحرير الثاني:رايات حزب الله لا تخفي مأساة بعلبك
لوسي بارسخيان الجمعة 2017/09/01

نجح حزب الله في تجييش بيئته (علي علوش)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها