مَن يتحمل مسؤولية مقتل العسكريين الذين أسرهم تنظيم داعش في 2 آب 2014؟
يُطرح هذا السؤال علناً، منذ الأحد في 27 آب، على المستويين السياسي والشعبي، وتحديداً من قبل أهالي العسكريين. ويبدو أن لا جواب واضحاً، وحاسماً، له. لكن، كما كل مسألة أخرى، تميل الإجابات، وهي تحليلات ومواقف، إلى تحميل المسؤولية إلى طرف من دون غيره. في حين أن هذه المسألة تحديداً، التي أدت إلى فقدان 9 عناصر من الجيش اللبناني، تبدو مسألة غير قابلة للاحتمالية والتقدير.
الواضح، لدى استرجاع المشهد السياسي لتلك المرحلة، أن النتيجة التي نعيشها ليست بلا سبب. ففي ذلك الحين، كان منصب رئيس الجمهورية شاغراً، ومجلس النواب ممدداً لنفسه. والحكومة، التي كان يرأسها تمام سلام، ضعيفة نتيجة تضاد مواقف أعضائها. وليس بعيداً من ذلك، ما كانت توصف به بأنها حكومة بلا قرار. هكذا، يبدو بديهياً أن يُسأل من اتخذ القرار، أو من لم يتخذه، لاستعادة العسكريين المخطوفين.
بعد يوم واحد من أسر العسكريين، في 3 آب 2014، صرّح قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي أن "الهجوم الذي شنه تكفيريون في عرسال كان محضراً"، وأن "الجيش قام برد سريع ونفذ عملية نوعية". وهذا الرد كان رداً على الاعتداء، أي دفاعاً وليس هجوماً. وتقول مصادر مطلعة على تلك الفترة لـ"المدن" إن "موقف قهوجي أثار استغراب وزير الدفاع السابق سمير مقبل". لكن، لماذا لم يتحرك الجيش في اتجاه استعادة عسكرييه؟
في السياسة
يقول المصدر إنه "أثناء المعركة، وبعد خطف العسكريين، اتصل رئيس الحكومة تمام سلام بقهوجي وطلب منه وقف المعركة، لأنه حصل على ضمانات خارجية بعودة العسكريين". وإذا كانت مصادر سلام لا تؤكد لـ"المدن" ولا تنفي حقيقة هذا الاتصال، فإنها تعترف أن "ملف العسكريين حصر في يد رئيس الحكومة. وهذا لم يكن سراً. كما أن الفترة الأولى من إدارة هذه المسألة شهدت ارتباكاً في سبل معالجتها، إلى حين تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالعمل عليها".
ويقول أحد وزراء حزب الله، في تلك الحكومة، لـ"المدن"، إنه "لا يمكن تحميل مسؤولية إيقاف العملية العسكرية للعماد جان قهوجي. فهو نفذ القرار السياسي، الذي كان متناقضاً، نتيجة رهانات فريق وعلاقاته". وهذا ما يعززه، ربما، ما قاله وزير الاتصالات جمال الجراح، الاثنين في 28 آب 2017، إنه سأل "آنذاك العماد جان قهوجي عن تكلفة العملية العسكرية في عرسال، وكان جوابه أن التقديرات تشير إلى سقوط 500 شهيد من المدنيين و130 عسكرياً. عندها، طرحت عليه أن يمهلني 48 ساعة لمحاولة تحرير العسكريين عبر المفاوضات".
لكن، ألم يكن ممكناً أن يتجاهل قهوجي "القرار السياسي" غير الموحد في الأساس؟
يؤكد المصدر أن "القرار في الميدان يعود إلى القيادة العسكرية من دون سواها. ورغم أن سلام طلب وقف العمليات العسكرية، إلا أن قائد الجيش يمكنه عدم الاستجابة، لأن من يصدر هكذا قرار هو مجلس الوزراء مجتمعاً وليس رئيس الحكومة وحده". يضيف المصدر: "لم يكن لدى القيادة العسكرية في حينها خطة للهجوم، بسبب حسابات قهوجي السياسية"، أي طموحه إلى أن يصبح رئيساً للجمهورية.
في الميدان
المفارقة أنه رغم تبلغ قهوجي طلب سلام بوقف العملية العسكرية، والتزامه به، لم يلتزم بعض عناصر الجيش بالأمر، وفق معلومات "المدن". فهم، بالإضافة إلى أسر زملائهم، كانوا يتعرضون لإطلاق نار كثيف من قبل داعش والنصرة. ويروي المصدر أن "إحدى مجموعات الجيش، التي استمرت في المواجهات، تمكنت من الانسحاب إلى أحد مراكزها، وطلبت من فوج المدفعية قصف مكان وجودها خشية وقوع عناصرها في الأسر".
ويكشف المصدر أن "القائد الميداني في جرود رأس بعلبك الآن العميد فادي داوود كان من الضباط الميدانيين في عرسال، في العام 2014، وكان يريد استكمال المعركة ووضع خططاً عديدة. لكنها رُفضت بسبب القرار السياسي نفسه".
في النتيجة
القرار السياسي المخطوف، في العام 2014، أدى إلى استمرار خطف العسكريين ومقتلهم. فالعسكريون كانوا أيتام نظام مهترئ ومؤسسات دستورية عاجزة عن اتخاذ أي قرار. فـ"البلد برمته كان في مرحلة الوقت الضائع، وأدى هذا الضياع في النهاية إلى عدم عودة العسكريين سالمين". بالتالي، فإن دماء العسكريين هي "من مسؤولية جميع من كان في السلطة".
هكذا قتل القرار السياسي العسكريين: مشهد الدولة عند اختطافهم
صبحي أمهزالاثنين 2017/08/28

"البلد برمته كان في مرحلة الوقت الضائع" (ريشار سمور)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها