الإنتهاكات في عرسال: أهكذا يُكافح الإرهاب؟

منير الربيعالأحد 2017/07/02
19691602_10203538073690378_260225514_n.jpg
لا تعكس هذه الصورة ما يُراد عكسه، أي مكافحة الإرهاب
حجم الخط
مشاركة عبر

في القراءة الاجتماعية لولادة تنظيم داعش، وبعيداً من تحليل الروابط الاستخباراتية للتنظيم، شكّل العنف والاضطهاد، عامل الاستقطاب الأساسي نحو التوحش. ارتكزت أدبيات داعش على الاضطهاد السنّي لاستيلاد الجماعات المتطرفة، وانخراطها في لعبة إدارة التوحش التي شهدها العراق وسوريا. هي القاعدة الرياضية التي لا لبس فيها. العنف يولّد العنف، والتطرّف يولّد نظيره لدى الطرف النقيض. إحدى ابرز التجليات الاجتماعية لولادة داعش، كانت الفيديوهات التي اعتزم إعلام النظام السوري توزيعها ونشرها خلال تعذيب المعتقلين المعارضين. يقول المعتقل تحت التعذيب "لا إله إلا الله"، فيطلب منه معذبوه أن يقول "لا إله إلا بشّار"، هو التنميط في استيلاد التطرف والتوحش، على قاعدة حرمان المرء من اعتقاده أو معتنقه، فيتشدد أكثر بالتمسك به. حافظ المسيحيون على وجودهم في لبنان بعد كثرة التهديد باقتلاعهم وطردهم. هي العلاقة الطردية بين السبب والمسبب والدافع والنتيجة.

تعزيز روح الانتقام هو الذي يولد داعش أو غيره. هذا المفهوم يرتكز على العنف المضاد المستولد من عنف ممارس. فمن يقتلع من أرضه، بيته، أو يُقتل أفراد عائلته أمامه، لن يجد غير العنف والإرهاب وسلية انتقامية. ليس الكلام تبريراً، هو نقاش موضوعي في أسباب انتشار الإرهاب وتوسع ظاهرة العنف. وكما أن الإرهاب لا يبرر أي عمل إرهابي مضاد، لكنه يتحول الى سبب لإستيلاد الآخر، كذلك لا يمكن أن يكون الإرهاب دافعاً لممارسته على آخرين.

ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها ما حصل في عرسال مع اللاجئين السوريين. أجساد عارية مكبلة اليدين ملقاة أرضاً، خلال مداهمات بحثاً عن إرهابيين وتفكيك شبكات إرهابية. تنتفي النتيجة بدوافع السبب في هذه الحالة، تفشل عمليات محاربة الإرهاب ومكافحته لمصلحة استيلاد إرهاب جديد. مداهمة بيوت إرهابيين أو خيمهم مبررة طبعاً، وهي واجب، لكن هدم البيوت أو الخيم على رؤوس قاطنيها، أو امتهان الكرامات وتصويرها ليس مبرراً، وهو يمثّل انتهاكاً للكرامة الإنسانية التي توجب كل التشريعات الدولية حمايتها، حتى في ظروف الحرب أو مكافحة الارهاب. من دون اسقاط مسألة وجود مسلحين تغلغلوا بين المدنيين أو في المخيمات.

ليس المجال هنا، لنقاش بعض الرؤوس الحامية التي تسارع الى التخوين والترهيب، يتخطى النقاش مسألة مواجهة الإرهاب وحتميته وحاجته الضرورية وما تستلزمه من توفير سبل الدعم للجيش والمؤسسات الأمنية، ولكن النقاش يتطرق إلى آلية محاربة الإرهاب، وأهمية أن لا تتحول هذه العمليات إلى فرص استعراضية، ناجمة عن استشعار بفائض من القوّة، تقود إلى التلذذ بالانتقام من ضعيف. لا تعكس هذه الصورة صحّة في الانطباع المراد عكسه بشأن الغاية المنشودة من الفعل، وهي مكافحة الإرهاب، لأن بعض ردود الفعل قد تكون اسوأ من الفعل نفسه، وتسهم في ديمومته.

لا شك في أن ثمة أسباباً لما جرى، وهي محاولة اختبار ردود الفعل، فإذا ما كانت واسعة، قد يعاد النظر بذلك، وفي حال مرّت مرور الكرام، قد تتكرر هذه المشاهد على غرار ما حصل في عرسال في العام ٢٠١٤ أيضاً. تشبه صور تلك الفترة صور الأمس إلى حدّ بعيد، وفي حينها خرج بعض اللاجئين بهتافات تطالب جبهة النصرة بإعادة التدخل في عرسال لحمايتهم، اشتهر في تلك الفترة شعار (أبو مالك فوت فوت لنوصل ع بيروت). هو لجوء الضعيف إلى مَن عانى منه، ولكن لحمايته من معاناة أخرى. وهذه إحدى المظاهر التي تجسّد فعلياً مبدأ العنف يولد العنف.

وفي حال مرّ الاختبار بهدوء، فهذا يعني دفع هؤلاء اللاجئين إلى الخروج من عرسال، والعودة إلى قراهم في سوريا، على غرار الدفعة الأولى التي حصلت. وهذا الأمر الذي يرفضه بعض المعارضين والجمعيات العاملة في مجال إغاثة اللاجئين وبعض الجمعيات الدولية، لما يعتبرونه عدم وجود ظروف آمنة وملائمة للعودة، خصوصاً أن العائدين قد يعتقلهم النظام السوري أو يجبرون على القتال في صفوفه أو الانخراط ضمن وحدات اللجان الشعبية.

تسعى بعض الجمعيات العاملة في مجال إغاثة اللاجئين إلى الاضاءة على ما حصل من انتهاكات لحقوق الإنسان في تلك المخيمات، وذلك بهدف عدم لفلفة القضية على غرار ما حصل في العام ٢٠١٤. ولذلك تحاول إعداد تقارير عن حالات انتهاك حقوق الإنسان وما تعرض له اللاجئون والنساء والأطفال والاضرار التي لحقت بممتلكاتهم. وهم رفعوا الصوت إلى الجهات الدولية المعنية لأجل استنكار هذه الانتهاكات. فيما هناك احتمال بأن تجري اتصالات دولية ومنجانب الأمم المتحدة، مع الدولة والجيش اللبنانيين، للتعبير عن استنكار ما حصل، وبأن محاربة الإرهاب لا تبرر هذه المشاهد التي ظهرت.

ويعتبر رئيس مؤسسة لايف لحقوق الإنسان نبيل الحلبي أنه في أحد المخيمات سقط ١٩ قتيلاً مدنياً بفعل اطلاق النار العشوائي، لأن المداهمات بدأت بعمليات تمشيط، فيما لم تعرف الاضرار في مخيم القارية لصعوبة ايفاد مندوبين إليه. ويشير الحلبي إلى إعداد تقرير عما حصل في المنطقة، مطالباً بتحقيق شفاف لتقديم الرواية الحقيقية لما جرى، خصوصاً أنه تم إشاعة اخبار كاذبة عن انفاق وخنادق وقنبلة كيميائية عاد الجيش ونفى هذه الأخبار رسمياً. ويقول الحلبي ان هناك روايات عديدة جرى تقديمها، وبالتالي هناك حاجة لإبراز الرواية الحقيقية، خصوصاً في مسألة وجود انتحاريين، إذ إن الجثث التي عرضت وقيل إنها تعود لهم، لم تتحول إلى اشلاء، بل لا نزال مكتملة، قتل اصحابها بإطلاق نار.

الأكيد أن عمليات الاعتقال الجماعي ليست مبررة، وإن كانت أمنياً تؤخذ في عين الاعتبار، لأجل توفير الحماية للجميع، وتحسباً لأن يقوم أي شخص بإطلاق النار، لكن هذا أيضاً لا يبرر عمليات التكبيل وطرح المدنيين أرضاً. يتخطى الأمر المسألة الامنية فقط، وهو سيكون عامل ضغط أساسي لدفع المقاتلين إلى الداخل السوري والعودة إلى صفوف النظام، استناداً إلى ما حصل مع الدفعة الأولى التي عادت قبل فترة. وهنا، يعتبر الحلبي أن الأمر غير مقبول، لأن ظروف السلامة ليست مؤمنة لهؤلاء، والعودة ليست مرعية من الامم المتحدة أو المجتمع الدولي.

ولا شك في أن ما حصل، أسهم في زيادة ادرينالاين العنفوان في صفوف بعض اللبنانيين، إذ بلغ استشعار الانتصار أوجه. وهذا ان دلّ على شيء، فعلى شعور دفين بالضعف، يحتاج تبديده غالباً إلى استشعار نشوة الانتصار على ضعيف آخر، كفعل انتقام من قوّي محسوب عليه، كمن ينتقم من الأب بابنه الصغير، أو كمن ينتقم من لدغة الأفعى برفس القط، ويشعر بأنه حقق الانتصار وردّ الاعتبار، لا بتعزيز الفارق الطبقي على القاعدة العنصرية، بل بالوسيلة نفسها التي كان النظام السوري فيها يمتهن كرامات اللبنانيين.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث