شهر مرّ على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فترة قصيرة اعتراها العديد من التطورات الإيجابية والسلبية بالنسبة إليه وفي علاقته مع حلفائه. تبدو القوات اللبنانية الأكثر ارتياحاً، ولاسيما مع تنامي إلى مسامعها أن ثمة توتراً في العلاقة بين الرئيس ميشال عون وحزب الله. تيار المستقبل لديه النظرة عينها، لكنه ينتظر تشكيل الحكومة ليرتاح الرئيس سعد الحريري أكثر، وفيما بعد يبدأ العمل في مجلس الوزراء، والتحضير للانتخابات النيابية، التي يطمح البعض لأن تكون قائمة على التعاون بين القوات والوطني الحر والمستقبل. لكن هذا أيضاً دونه عقبات سياسية أساسية تتعلق بحلفاء عون في قوى 8 آذار.
وفق ما تقول شخصية بارزة في تيار المستقبل، فإن لدى حزب الله مشكلة مع أي رئيس للجمهورية، حتى لو كان الرئيس هو النائب محمد رعد أو السيد حسن نصرالله، لأن التضارب بين الطرفين سيقع حكماً. من هذا العنوان العريض ينطلق المستقبل في مقاربته حقيقة العلاقة بين عون وحزب الله، والتي قد تسوء أكثر في الأيام المقبلة.
لا يقتصر الإشكال بين الحلفاء على آلية تشكيل الحكومة، وكيفية تعاطي عون معها، ولاسيما أنه يطلق يد الوزير جبران باسيل للبت في كل شاردة وواردة، فيما وزير الخارجية مصرّ على قرارات تتناقض مع حسابات الحلفاء لمصلحة حساباته الشخصية. وتذهب مصادر قوى 8 آذار إلى تحميل مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة إلى عون، الذي لم يتدخل لحلّ المشكلة. وتعتبر المصادر نفسها أن قرار باسيل بالقضاء على النائب سليمان فرنجية سياسياً، واستمراره في المواجهة مع الرئيس نبيه برّي، هما سبب العرقلة. وتذكّر المصادر بأن تيار المستقبل مع تمثيل تيارة المردة بحقيبة وازنة لكن باسيل هو من يرفض بدعم من عون.
ليست العلاقة على ما يرام بين بعبدا وحارة حريك. الملاحظات كثيرة، في الشكل والمضمون. الممارسة السياسية للوزير باسيل، الذي وصفه فرنجية ذات يوم بأنه هو الرئيس الفعلي فيما عون هو رئيس الظل، تبدو مستفزّة للجميع. ثمة من يقول إن باسيل تخطى حدوده، ويذهب أكثر نحو ترسيخ الثنائية المسيحية لتطويق كل المسيحيين الآخرين المتحالفين مع حزب الله. وحرصه على متانة العلاقة بالقوات ينبع من هدفين أساسيين، أولاً الفوز في المقعد النيابي في البترون، وثانياً نقطة التقاء بين الطرفين على إضعاف العميد المتقاعد شامل روكز. فباسيل يريد الدعم القواتي ليصمد مستقبلاً أمام روكز، الذي يمثّل جانباً من النوستالجيا العونية. لكن هذا الاعتبار الباسيلي أيضاً، يزعج حزب الله، لأنه يوجب على التيار تقديم مزيد من التنازلات لمصلحة القوات، ويكبر حجمها أكثر، فيما هدف القوات الأساسي الإستثمار في تعزيز الثنائية المسيحية، لوضعها في مواجهة مع الحزب.
ومن بين الملاحظات السياسية على أداء عون، عدم ذكر الرئيس الجديد أي معادلة تتعلق بالمقاومة كثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. وهذا ما يعتبر بالنسبة إلى الحزب خروجاً على النهج. وصولاً إلى الإنفتاح على السعودية ودول الخليج بهذا الشكل. والإتصال الذي جرى بين نصرالله وعون يوم زيارة الموفد السعودي، دليل على تخوف الحزب من إنحراف عون، ولو لم تكن الخشية موجودة لما كان هناك داع للإتصال.
حتى الآن، كل ما يجري يدخل في إطار تمرير الرسائل لتدارك الأمور. لكن باسيل يذهب أبعد من ذلك، جغرافياً وسياسياً. ويرد على كل الرسائل من أميركا اللاتينية. فهذه الزيارة تحمل رسائل عديدة بالنسبة إلى مصادر متابعة، وتدخل في إطار تجذيره التحالف المسيحي ومنطق الثنائية، على قاعدة الغلبة للعدد والقوة للكثرة والتعاضد. وهذا ما يتجلى من خلال تحفيزه اللبنانيين المهاجرين للحصول على الجنسية. وما يريده من خلال ذلك، هو كسب أوسع حشد مسيحي ممكن، للاستثمار به الآن ومستقبلاً.
هذا الإنقسام السياسي والمذهبي في آن، يدفع مرجعاً سياسياً إلى القول إنه "لولا التصعيد المستمر بين السعودية وإيران، ولولا الحرب التي تشهدها المنطقة من سوريا إلى اليمن وتتخذ طابعاً مذهبياً، لكان تحالف عون وجعجع والخطاب المعتمد بينهما، كفيلاً بإعادة اللحمة إلى السنّة والشيعة، وتحديداً إلى حزب الله وتيار المستقبل، لكن الظروف السياسية والإقليمية لا تسمح بذلك". فيما هناك من يلوّح بإعادة إنتاج ما يشبه التحالف الرباعي في الانتخابات المقبلة لتحجيم هذه الفورة لدى التيار والقوات.
صحيح أن الرسائل السلبية أصبحت واضحة بين حزب الله وعون، لكن لا شك أن لدى الحزب حرصاً على عدم تدهور العلاقة أكثر، خصوصاً أن الظرف الإقليمي لا يسمح، فمنطق حماية الأقليات لم يسقط. وهو يقوم ويستمد قوته من مبدأ حماية الحزب المسيحيين وحرصه على دورهم في السلطة. وبالتالي، لا يريد الحزب خسارة حليفه المسيحي الأقوى. ما يدفعه إلى العض على الجرح، وتحمّل الألم، ريثما تصطلح الأمور. أما في حال إستمرار الأمور على هذا النحو، فإن ما جرى في نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، سيتكرر مع ميشال عون.
حسابات باسيل القواتية تصدع تفاهم التيار وحزب الله
منير الربيعالأربعاء 2016/11/30

هل تفاهم التيار الوطني والقوات اللبنانية أقوى من التفاهم بين التيار وحزب الله (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها