كل الأجواء تشير إلى ان حماسة "خصوم" النائب ميشال عون لإنتخابه تقابلها عدم حماسة لدى حلفائه، بما فيهم من يؤيدونه وليس فقط من يعترضون على إنتخابه في قوى الثامن من آذار، وذلك عبر وضع الشروط أو تمرير الرسائل للجنرال بوجوب العمل والسعي لتسويق نفسه لا أن ينتظر أحداً ليسوّقه. ومن أبرز الشروط التي يضعها حلفاء عون وعلى رأسهم حزب الله، هو إتخاذ موقف علني من الرئيس سعد الحريري لتأييد ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح، وموقف سعودي واضح أيضاً.
لا شك ان الجميع يرسم خطوط تحرّكه ومواقفه بشكل دقيق، خوفاً من أي خطوة ناقصة، وفق ما تقول شخصية بارزة لـ"المدن". لكن السؤال الأساس يبقى، هل ستجد هذه المساعي طريقها إلى التنفيذ؟ لا شيء واضحاً بعد، على الرغم من أن الحريري داعم جدّي لهذه التسوية، وأن يكون عون هو الرئيس. لكن النقطة العالقة تبقى في ما إذا كان الحريري سيعلن ما يريده أم لا، هو يخشى الإعلان وتفشل التسوية فيكون خاسراً على الجهتين، مقابل معلومات عونية تتقاطع مع أخرى من حزب الله تفيد بأن الحريري سيعلن موقفه لأسباب عديدة.
قبل العودة إلى تفاصيل المشاورات بين الحريري وعون، تلفت المصادر إلى أن مسألة ترشيح عون من قبل المستقبل أصبحت متداولة، وبالتالي وصلت أصداؤها إلى الجميع، فالإعلان لن يؤثر سلباً على الحريري، بعد أن تسرّبت تلك الأجواء، ولذلك قد يلجأ لخيار الحد الاقصى، ويعلن ترشيحه لعون، وبذلك إما تنجح التسوية أو يكون قد حشر حلفاء عون، وزرع الشقاق بينهم، وفي ذلك يستعيد الكثير مما خسر بالسياسة. لكن هذه أيضاً غير محسومة وتبقى في إطار الحسابات.
أما بشأن العودة إلى المشاورات بين الرجلين التي سبقت زيارة زعيم المستقبل إلى الرابية، فتشير المصادر إلى أنه تم الإتفاق على نقطتين أساسيتين، حصلتا إلى الآن، "الأولى هي إشتراط عون بأن يزوره الحريري في الرابية، زيارة رسمية ولها دلالاتها، وهذه لبّاها الحريري. أما الثانية فهي النقطة التي طلبها الحريري من عون، وهي إطلاقه موقفاً تهدوياً وفيه مبادرة إيجابية لطمأنة الجميع، وخصوصاً الجمهور السنّي، والرئيس نبيه برّي، والنائب وليد جنبلاط، والنائب سليمان فرنجية. ومما شمله الإتفاق، أن يخرج الحريري بعد جولته وبعد هذه المواقف التي من شأنها أن تشير إلى وجهة الأمور، وكي يتسنى لجمهوره امتصاص الصدمة، أن يعلن ترشيح عون. وهنا تقول مصادر واسعة الإطلاع، إلى أنه بعد ان يعلن الحريري ذلك، وتوافر الأجواء الملائمة، حينها سيعمل حزب الله مع الرئيس نبيه برّي، وهنا يقول مسؤول بارز في حزب الله لـ"المدن" إلى أنه "حينها سيكون برّي هو الأسهل". وهنا تعتبر المصادر أن برّي وضع السلّة، ليطمئن، لأن الصورة النمطية التي قدّمها عون تتجلى في أنه يريد إقصاء الجميع، وقلب الموازين، ولذلك فإن السلّة قد تكون في حال إكتمال المشاورات ونضوجها، ورقة برّي للحفاظ على موقعه ومكتسباته، وهذه رسالة لعون بأنه لا يمكنه المجيء، بلا توفير الضمانات، وعليه أن يكون رئيساً ككل الرؤساء، لا أن يكون متفرداً.
وتعتبر المصادر أن برّي في النهاية قد يسير في التسوية إذا ما حصل على ضمانات، لأنه يخشى ضرب النظام والذهاب نحو مؤتمر تأسيسي، يولّد نظاماً جديداً، ينحصر فيه دوره، ولذلك هو يتّخذ مواقفه بحذر.
عند هذه النقطة تتوقف المشاورات أو تتعرقل، وهي تنتظر المزيد من نشاط الحريري وحركته الخارجية ليتم إسقاطها في ما بعد على المشاورات الداخلية. هذا لا يعني أن الأمور سهلة، خصوصاً إذا لم يكن هناك أي موقف سعودي واضح من التسوية. لأن حزب الله يريد موافقة سعودية على هذه التسوية. ثمة في حزب الله من يعتبر أن السعودية تريد ربط الملف اللبناني بالملف اليمني حصراً، وذلك لا يكون عاملاً مسهّلاً.
لا يسعى حزب الله إلى معركة، يكون الربح فيها بالنقاط، يؤكد دوماً أنه لا يريد الإقصاء في لبنان، ولكنه أيضاً لا يريد الدخول في لعبة تسجيل النقاط وتجميعها بشكل متفرّق ليسجّل نجاحه في ما بعد. يريد الحزب شيئاً صريحاً، "عون للرئاسة، ولا مشكلة برئاسة الحريري للحكومة، ولكنه عملياً، يريد عودة السعودي رسمياً إلى لبنان، ويكون أحد رعاة هذه التسوية، على اعتبار أنه يكون مسؤولاً أيضاً عن التسوية، لتبقى خطوط التواصل والتنافس مفتوحة. أي أن موافقة السعودية على هذه التسوية، تعني، ان الحكومة ستكون برعاية سعودية، وبالتالي المرحلة تكون برعاية السعودية، وما يعني ذلك أن أي تطور قد يحصل ينعكس على السعودية بشكل أو بآخر.
ولكن مقابل ماذا؟ أولاً يريد الحزب الحفاظ على الإستقرار، لأن لبنان مرتبط بالوضع السوري، ويعتبر أن رعاية السعودية للبنان في هذه المرحلة، قد تفيده في ما بعد لأن موازين القوى في سوريا تميل لصالحه، ما سينعكس عليه إيجاباً في ما بعد. وتؤكد المصادر، انه حين لجأ حزب الله للإستقالة من حكومة الحريري في العام 2010، كانت الرسالة هي لإقصاء السعودية عن لبنان، ولذلك هو يريد إستمرار هذا النوع من الرعاية للإستفادة من هذا الهامش من المناورة وتسجيل النقاط.
لكن عدم التدخل السعودي والإمتناع عن إعطاء موقف واضح، لن يجعل حزب الله عاملاً مسهّلاً لإنجاز الإستحقاق وإنجاح التسوية. لا بل هو يعتبر أن استمرار الأمور على هذا النحو من التعقيد، ستدفع البعض وخصوصاً التيار الوطني الحرّ إلى المطالبة بمؤتمر تأسيسي، وبالتالي فبمجرد تداول إحتمال ضرب الطائف، سينطلق التفاوض مع الحريري من موقع أقوى، كما أنه قد يسهم في عودة السعودية إلى لبنان. وبالتالي يستطيع الحزب الحصول على ما يريده بشكل أسهل مما هو عليه اليوم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها