بين حرب لبنان وحرب سوريا، محطات عديدة مرّ بها حزب الله. تبدّلت في كل واحدة منها استراتيجيته ورؤيته السياسية. بدأ الحزب عمله على شكل خلايا مقاومة في الجنوب والبقاع، بعد سنوات إنتقل إلى تشكيل التنظيم، ليستكمل مساره التوسعي والتطوري إلى أن أصبح القوة الأكبر في لبنان، ويمتد وجوده من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. وعمل على تشكيل أطر موالية له وخارجة عن صفوفه. من الاجتياح في العام 1982، إلى الحروب ضد إسرائيل، مروراً بالحرب المصغرة في 7 أيار 2008، وصولاً إلى الحرب السورية، تبقى الحرب الصفة الملازمة للحزب، وبناء عليها وعلى نتائجها يقرر استراتيجياته التي خضعت مراراً للتعديل بعد كل معركة.
مراحل التغيّر أو التطور الكثيرة التي مرّ بها الحزب، تطرح اليوم سؤالاً أساسياً واستراتيجياً، وهو ماذا سيفعل حزب الله بعد عودته من سوريا؟ وما هو دوره المستقبلي بعدما أصبح لاعباً أساسياً في ميادين خارجية مشتعلة، كاليمن والعراق وسوريا؟ الأكيد، أنه يدرس الخيارات والاحتمالات، التي لن تظهر أي أجوبة عنها إلا بعد جلاء الصورة في المنطقة.
لا شك في أن لدى الحزب فريقاً متخصصاً يعمل على دراسة كل الاحتمالات لمرحلة ما بعد الحرب السورية. هذا الفريق يدرس الخيارات، في حال بقي الأسد أم غادر، أو بقاء سوريا موحدة أم تقسيمها أو فدرلتها. يقيس الحزب الميزان السوري بموازين الربح والخسارة، ليبني على الشيء مقتضاه، واتخاذ الخيار السياسي المناسب فيما بعد. لكن الأكيد بالنسبة إليه هو أن لبنان سيكون قوة استراتيجية في يده، ولن يكون مركزاً مسانداً إنما سيكون مركزَ ثقل، في مشروع المحور الذي ينتمي إليه.
حين يأتي وقت التسوية، لن يسمح الحزب بأن يكون طرفاً عادياً في لبنان، بمعزل عما ستكون عليه نتائج الحرب السورية، فإذا ربح هناك سيحصل على الحصة الأكبر هنا، وإذا خسر هناك يريد التعويض عن الخسارة في لبنان. وهذا يبدأ من تكريس نفسه شريكاً فعلياً في القرار اللبناني. وبما أن التجربة توضح أن كل استراتيجيات الحزب تتغير وفقاً لتغير الظروف، فهذا يعني أن الخيارات متعددة: إما الإحتفاظ باتفاق الطائف الذي يعتبر الحزب أنه قد مات، ولكن يتم إدخال بعض التعديلات عليه التي تمنحه دوراً أكبر وصلاحيات أعم؛ أو اللجوء إلى تغيير الطائف والذهاب إلى المثالثة. احتمالات تغيّر الخرائط لا تسقط هنا، فالحزب الذي يسيطر على كامل السلسلة الشرقية ومناطق واسعة محاذية في سوريا، قد يلجأ إلى ضمّها بعضها إلى بعض. ولدى الحزب خيارات أخرى، لا سيما تعزيز علاقاته مع الطوائف الأخرى، ولكن من موقع القوة، وأن تصبح تلك القوى والطوائف قوى ملحقة به أو مرتبطة بقراراته بشكل أوسع مما هو اليوم.
بعد إتفاق الطائف، بدأ دور حزب الله التغيّر، دخل للمرّة الأولى إلى الندوة البرلمانية في العام 1992. وفي العام 1996 مُنع من استثمار تثبيت نفسه بعد عدوان نيسان، بسبب النظام اللبناني السوري. حينها، أعلن وزير الخارجية الإيراني علي ولايتي، أنه يجب تحسين دور حزب الله في الساحة السياسية اللبنانية. لكن غازي كنعان رفض، واستطاع التنسيق لبناء تحالف بين الرئيس رفيق الحريري والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لتطويق حزب الله في الانتخابات النيابية. وحين حاول الحزب بناء تحالف مع اليسار ضد التحالف الذي نشأ ضده أتت الرسالة من كنعان بأن الدم سيصل إلى الركب.
بُعيد التحرير في العام 2000، أعد الحزب دراسة للاحتمالات المتوقعة، ووضع خياراً لكل احتمال. حينها، كان القرار الأساسي بأنه يجب الحفاظ على المقاومة، من خلال مجلس النواب والسياسات التحالفية. لكن المحطة المفصلية الأساسية كانت في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. حينها، اعتبر الحزب نفسه منكشفاً ووحيداً، وإتخذ قراره بدخول الحكومة، ونسج الإتفاق الرباعي مع المستقبل وجنبلاط وبري. لكن المحكمة الدولية والمسار السياسي أديا إلى إفشال ذلك. ومنذ ذلك الحين أخذ الحزب يعدّ العدّة لاستنباط آلية سياسية جديدة تحفظ حقه، وتحميه، وفق ما يعتبر، من أي إجراءات دولية تتعلق بعمل المحكمة أو بغيرها.
بعد حرب تموز 2006، واعترض الحزب على أداء الحكومة، قرر أن عليه الحضور أكثر في السلطة التنفيذية وأن يصبح شريكاً في اتخاذ القرار. وكان ما سُمّي آنذاك بالثلث الضامن. وهو ما اعتبر التفافاً لإنهاء إتفاق الطائف وتكرس في الدوحة عبر تعطيل آلية عمل مجلس الوزراء التي تحصر الصلاحيات بيد رئيس الحكومة.
اللافت، امام هذه التطورات والتغيرات، أن الخيارات الاستراتيجية لدى الحزب كانت تظهر بعد إستعصاء في الحالة السياسية في البلد، وبعد أزمة سياسية تعطل عمل المؤسسات.وهذا ما يعيشه لبنان اليوم، فيما الأخطر هو أن المنطقة مشتعلة من حوله، وثمة خرائط تتغير. وعليه، لا أحد قادراً على حدس القرار المستقبلي للحزب، لكن الأكيد أن دوره وحاله، لن يبقيا كما هما الآن، ومع تغيرهما فإن أموراً كثيرة في لبنان ستتغير.
أسئلة عن حزب الله بعد الحرب السورية
منير الربيعالأحد 2016/09/18

معارك كثيرة دفعت الحزب إلى تغيير مساره السياسي في مؤسسات الدولة (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها