على مدى السنتين الماضيتين، لم يذكر أحد "الجيش السوري الحر"، في جرود القلمون. تقتصر الأخبار على تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، علماً أن بروز التنظيمين في تلك المناطق جاء بعد فترة طويلة على وجود "الجيش الحر" في تلك المنطقة، حيث كان الأكثر عدداً وعديداً. قبل سقوط القلمون بقراه وجروده تحت سيطرة "حزب الله" والنظام السوري، كان التواصل والتنسيق قائماً بشكل جيّد بين تشكيلات "الحر"، خصوصاً بين المجلس العسكري لمدينة القصير وريفها، الذي لجأ عناصره إلى محيط جرود عرسال، وقاتل البعض الآخر في القرى القلمونية كيبرود ورنكوس وقارة، وبين تشكيلات "الجيش الحر" التي تشكّلت من أبناء هذه المدن القلمونية. هذه التشكيلات قادها العقيد عبدالله الرفاعي ابن بلدة راس المعرة القلمونية.
منذ نحو السنة، اغتالت مجموعة تابعة لتنظيم "داعش" الرفاعي أثناء زيارته عائلته المقيمة في عرسال. ليس هذا الاغتيال الوحيد الذي يتعرض له قادة من "الجيش الحر" في تلك المنطقة. كل هذه الهجمات ضد "الحر" كان لها هدف ومنسقة، إذ يبدو أن الأطراف المتخاصمة تواطأت ما سمح للمجموعات المتطرفة بدخول تلك المناطق والتمكن والتوسع.
بعد معركة مدن القلمون، وخصوصاً يبرود الأكثر استراتيجية، وجهت فصائل معارضة أصابع الاتهام إلى المجموعات المتطرفة وحمّلتها مسؤولية سقوط تلك القرى بسبب انسحاباتها وتخاذلها. توجه مقاتلو المعارضة إلى الجرود بين لبنان سوريا، عاش "الجيش الحر" وضعاً خانقاً عسكرياً ولوجستياً. ما سمح لـ"جبهة النصرة" بالتوسع واستقطاب عدد كبير من تشكيلات "الحر،" فيما اختار البعض الآخر الخروج من المنطقة.
بعد فترة، وصل تنظيم "داعش" إلى المنطقة من الناحية الشمالية الشرقية. قدم من البادية، وسط تساؤلات عن قدرته على الوصول إلى هناك من دون أي معركة. دخل التنظيم في معارك مع كتائب "الحر" و"النصرة". وفي وقت كان لديه ما يكفي من أموال ومواد عسكرية وغذائية، أدى ذلك بالعديد من الفصائل إلى مبايعته طمعاً بمال وطعام وسلاح.
أسهم ذلك في توسيع رقعة وجود "النصرة" و"داعش"، مع تحجيم "الجيش الحر" ومحاصرته تمهيداً لإنهائه، عبر شنّ هجمات ضده وضد مواقعه، وصولاً إلى اغتيال أبرز قادته. وعليه أصبحت جرود القلمون خاضعة لسيطرة "داعش" و"النصرة" حصراً وفقاً لما هو سائد. هذا الأمر أكثر ما يغيظ ما تبقى من مجموعات "الجيش الحر".
ويقول عمر الشيخ، قائد أحد فصائل "الحر" في جرود فليطا لـ"المدن": "نأسف لوصف الجميع باعتبارهم متطرفين ودواعش. نحن ابناء هذه المناطق ندافع عن أراضينا ولن نتخلى عن هويتنا الفكرية، ولا يمكن أن نكون إرهابيين أو متطرفين". يضيف: "ثمة خبث في التعاطي الإعلامي والسياسي مع المسألة، يريدون تصوير الجميع على أنهم داعش لتبرير محاصرتهم وطردهم من المنطقة وتهجيرنا من أراضينا بتلك الذريعة. مسألة القلمون اصبحت سياسية دولية. والحصار الخانق والقضم البطيء هما استراتيجية تهجيرية غير تقليدية، تعتمد على إنهاء مقومات الحياة. وبالتالي إضطرار الناس إلى مغادرة مناطقهم. هذا ما يحصل بكل هذا الشريط وصولاً إلى الزبداني.
يؤكد الشيخ أن وجود "داعش" يقتصر على بعض النقاط البعيدة عن نطاق وجوده، أي في رأس بعلبك والمعرة وصولاً إلى القاع. وعن عديد "الجيش الحر" في المنطقة، يلفت إلى أنه يوازي عدد "النصرة" أو يزيد. إذ إن "الحر" ينتشر على مساحات أوسع من مساحات "النصرة"، لكنه يفتقر إلى العتاد.
الظروف الميدانية والسياسية هي التي ركّزت على وجود الجماعات المتطرفة، وفق الشيخ. وتهميش "الحر" كان متعمداً، خصوصاً أن تلك التنظيمات تقاتل وفقاً لأجندة معينة خاصعة لحسابات سياسية أبعد من سوريا. أما هم فيقاتلون سعياً للرجوع إلى قراهم. وهذا ما يؤدي إلى قطع السلاح والمساعدات عنهم.
الآن، تسعى تشكيلات "الجيش الحر" إلى استعادة نشاطها، عبر التنسيق مع التشكيلات في المناطق الأخرى المحيطة، ليس بين القلمونَين الشرقي والغربي فحسب، بل وصولاً إلى الجنوب وغوطة دمشق. رغم انقطاع التواصل الميداني. وتكشف مصادر متابعة لـ"المدن" عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة لإعداد الخطط العسكرية للمرحلة المقبلة، لشن ضربات ضد "داعش" والجيش السوري و"حزب الله"، وفق أحد الضباط من أعضاء هذه الغرفة. ولدى سؤاله عن "النصرة"، يجيب أن هناك تواصلاً مع الجبهة، لأنها غير "داعش". وثمة نقاط مشتركة في التوجهات.
وتقول المصادر إن ضربة حاجز الصفا في قطاع رنكوس كانت منسقة بين "الجيش الحر" و"النصرة"، كاشفة عن الاستعداد للقيام بعمليات أخرى على نقاط جديدة. ويضع "الحر" خطة لمحاربة "داعش" ومهاجمة نقاطه. وينسق في ذلك مع جهات خارجية. لعلّ ذلك يسمح لـ"الحر" بالحصول على مساعدات تخوله استعادة قواه في تلك المنطقة وإعادة لملمة الفرق والعناصر الذين تركوه وبايعوا التنظيم لقاء مبالغ مالية. وهنا يعتبر الشيخ أن بعض عناصر "الجيش الحر" تركوا التنظيم وعادوا إلى تشكيلاتهم قبل فترة نتيجة الخلافات بين قادة "داعش"، وخصوصاً بين أبو بلقيس العراقي وأبو عبدالله المقدسي، إذ شهدت تلك المرحلة موجة تصفيات بين مجموعات التنظيم. ما أدى إلى انخفاض أعداد مقاتليه إلى ٨٠٠ عنصر. وفي حال حصل "الحر" على الدعم، فبإمكانه استقطاب أكثر، وبالتالي تحقيق مزيد من الانخفاض في صفوف التنظيم.
يبدو، بناء على هذه المؤشرات، أن القلمون مقبل على مرحلة جديدة. ولكن لكل طرف هدفه. "الحر" يريد استعادة عدد من القرى والمدن. "النصرة" كذلك، مع توفير ممرات آمنة وارتباط ذلك بمفاوضات اشمل تتعلق بالشمال السوري وبأسرى "حزب الله" هناك، وبكيفية انتشار الجبهة على الرقعة السورية. أما "داعش" فلديه هدف محدد وأساسي، هو فتح مزيد من الجبهات والساحات للرد على انكفاءاته. ولن يتخلى عن أسلوب الهجمات العسكرية والانتحارية. وما جرى قبل فترة في القاع وجرود عرسال قد يتكرر. أما في الجهة المقابلة، فالجيش السوري همه حماية المنطقة التي يسيطر عليها بشكل صرف وتأمين خط دمشق الساحل ومغادرة الأهالي والمسلحين. كذلك "حزب الله" الذي يريد توسيع مناطق الأمان حول مناطقه ودمشق. وأي حدث في القلمون، ستتردد أصداؤه خارج هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة إلى جميع الأطراف.
إستراتيجيّات "داعش" و"النصرة" و"حزب الله" و"الحر" في القلمون
منير الربيعالسبت 2016/07/16

تشكيل غرفة عمليات مشتركة لوضع خطط مستقبلية
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها