كثيرة هي المؤشرات التي يمكن رصدها في خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الذي جاء بعد القرارات السعودية الأخيرة بحق لبنان، فارضاً على الحزب اعادة قراءة لواقع توريط لبنان، في معركة أكبر منه وقدرته.
بدا واضحاً من خطاب نصرالله التخلي عن الخطاب الإستعلائي والهجومي، وبدا أيضاً في شق كبير منه يقدم لغة جديدة لم يعهدها جمهور المقاومة، خصوصاً أن الأزمة الأخيرة فرضت واقعاً لا يمكن التغاضي عنه، أو الإستمرار في المكابرة. أول مؤشرات نصرالله برزت في جملة من التأكيدات الداخلية التي تشير الى أن الحزب، مصمم على الحفاظ على الأمن والإستقرار، خصوصاً عندما أكد ضرورة استمرار الحوار الثنائي مع تيار "المستقبل"، والحوار الوطني، اضافة الى استمرار الحكومة، ربطاً بالإستقرار والأمن.
لكن عملياً وإن كانت رسائل نصرالله الأمنية، ونفيه أي مساعٍ لتكرار أحداث 7 أيار، أو مشهد القمصان السود، عطفاً على الإحتجاجات التي حصلت مؤخراً بسبب تقليده في برنامج تلفزيوني، إلا أن نصرالله، وعلى الرغم من وضعه لما حصل في خانة "التصرف العفوي"، إلا أنه عاد وأكد ضمناً أنها رسالة مقبولة ومشكورة، خصوصاً أن تمسكه بالسلم الأهلي، والأمن والإستقرار، جاء من منطلق قوة، بما أن أحداً غير قادر على قلب الطاولة في وجهه.
الثوابت اللبنانية الواضحة في خطاب "حزب الله"، قابلتها نبرة بدت لافتة، هدف فيها الى اللعب على الوتر الداخلي تحديداً، محاولاً التبرير لكل الأفرقاء حلفاء وخصوم ومغتربين، خصوصاً عندما قال: "افعلوا معنا ما شئتم، لكن لا علاقة للبلد ولا للبنانيين"، في دعوة ضمنية إلى فصل لبنان عن العلاقة مع "حزب الله"، وفي تكرار لمعادلة "تعالوا لنتقاتل في سوريا". وقال: "منذ ان اعلنت السعودية في 19 شباط 2016 عن إيقافها الهبات المعلن عنها سابقاً بدأت في لبنان والمنطقة حملة سياسية واسعة جداً"، معتبراً أن "السعودية وبعض دول الخليج والبعض في لبنان دخلوا في هذا المناخ ما أدخل لبنان في مناخ من التوتر الشديد على المستوى الإعلامي والسياسي والشعبي". ورأى أننا دخلنا مرحلة جديدة من الصراع بعد وقف الهبات.
بدا نصر الله وكأنه يحاول الفصل بين التطورات الداخلية والخارجية، خصوصاً لجهة تمسّكه بالحوار مع تيار المستقبل، فيما استمر بهجومه العنيف على السعودية، قائلاً: "هذا البلد يجب ان يبقى بمنأى عن اي صراع وتوتر وحتى في النزول إلى الشارع أقله من جهتنا" وأردف "من يقدر قلب الطاولة على "حزب الله" فليتكل على الله ويقلبها ولكن نحن نريد بقاء الطاولة ولنتخاصم إعلامياً وسياسياً". وعن الوضع الحكومي، أكد نصرالله أن "بقاء الحكومة مصلحة وطنية وهي حكومتكم ونحن مشاركون فيها بحصة متواضعة"، وسأل :" من يتصور ان هذه الحكومة التي قامت على انقاض الحكومة السابقة تكون حكومة "حزب الله"؟
لكنه في المقابل، اعتبر أن الحزب لا يستطيع "فرض الحوار على أحد ولكن لا احد يستطيع تمنيننا بالحوار ونحن سنستكمله، وهناك مصلحة في استمراره"، ولفت إلى أنه "قد يكون للبعض مشكلة في إجراء الانتخابات البلدية لعدة أسباب وقد يوتر الوضع أمنياً لتأجيلها والتمديد للمجالس الحالية او تسليمها للقائمقاميات".
وتبدّى حرص نصر الله على الإستقرار بالطلب من مناصري الحزب بعدم النزول إلى الشارع مناشدهم "أربأ بكم وانهيكم عن النزول إلى الشارع مهما ظهر من برامج وفيديوهات تطالني"، كما توجه إلى مسؤولي حزب الله داعياً إياهم "للاتصال بالشباب الذين تحركوا وقولوا لهم ان لا مصلحة بالتحرك والقيام بردود فعل في الشارع ونقوم برد فعل بمكان آخر، فإذا رأيتم اي حركة للشباب في الشارع بادروا لمعالجة الموضوع سريعاً وللتنسيق مع الإخوة في "أمل" لأن هذا موقفهم أيضاً".
على صعيد الأزمة مع السعودية، استمرّ نصر اله بتصعيده ضدها، معتبراً أنها "غاضبة من حزب الله وهذا ليس بجديد والحرب علينا ليست جديدة بل دأبت منذ 2005 على فتح حرب علينا ونحن لا نرد". وقال، " السيارات المفخخة التي أتت من القلمون إلى الضاحية وغيرها كانت تدار من السعودية". أضاف نصرالله، "افضل واشرف واعظم ما قمت به بحياتي هو خطابي عن اليمن ثاني يوم بعد بدء العدوان السعودي عليه، فإذا تم السكوت عن جرائمها في اليمن فلا احد يمنعها من ارتكاب المجزرة في اي دولة في جوارها او اي دولة إسلامية". وتابع، " حاول السعودي المستحيل لإسكاتنا لكننا لن نسكت والآن يمارس الضغوط على اللبنانيين لإسكاتنا".
وسأل: " أليست السعودية صديقة لبنان وهي مملكة الخير، فهل يحق لها القيام بهذه الأعمال؟ ألا تقولون ان اللبنانيين ضيوف؟ كيف تهددون بطردهم"؟ وتابع، " لماذا تحملون الناس مسؤولية ما نقوم به؟ إذا كان من مجرم عندكم فأنا المجرم وحزب الله المجرم وليس اللبنانيين".

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها