رويداً رويداً، يخرج حزب الله عن صمته ولكن بغير العلن، إزاء مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. كان صمت الحزب مدوياً، فيما راهن عليه الجميع للتحرّك وإقناع النائب ميشال عون بضرورة السير بالتسوية والتنحي جانباً لصالح حليفه مقابل الحصول على مكاسب سياسية، لكن الحزب لم يفعل، لا بل أكّد عبر أكثر من قناة أنه متمسك بترشيح عون إلى النهاية، وإلى أن يرى عون غير ذلك.
تكثر الأسئلة حول حزب الله، موقفه، مصلحته، ماذا يريد؟ وما علاقة الوضع الإقليمي وانعكاسه على موقفه من التسوية؟ عملياً ثمة شدّ حبال وإن غير معلن بين الحزب وتيّار المستقبل، إن على الصعيد الداخلي، أو ربطاً بالتطورات الإقليمية. أوّل الجدل بين الطرفين كان في مسألة الترشيح الرسمي لفرنجية، إذ طالب الحزب المستقبل بتبني ترشيح فرنجية رسمياً وعلناً عبر إعلان الحريري عن هذا التبنّي، فيما المستقبل يرفض ذلك قبل أن يتضح موقف حلفاء فرنجية من المبادرة ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحرّ.
واستمرّ بازار الجدال، إلى ان طرح حزب الله أسئلة متعددة، حول خلفيات ترشيح فرنجية، والهدف السعودي من ذلك، ليتنامى التساؤل أكثر والإستغراب أيضاً، حول أسباب اندفاع السعودية إلى مبادرة كهذه فيما تفرض العقوبات تلو العقوبات على الحزب وتصنّفه إرهابياً، كما تحجب قناة المنار عن قمر عرب سات، لا يجد الحزب جواباً على هذه التساؤلات، إلّا أنها قد تندرج في إطار إما الإزدواجية السعودية التي لا تطمئن، أو عدم موافقتها على هذه المبادرة من الأصل، على حدّ تعبير مصادر الحزب لـ"المدن".
وتقول المصادر "وفق ما علمنا، فإن الحريري هو من طرح هذا الامر على القيادة السعودية، وهي لم تكن مبتكرة لهذه التسوية، وبعد طرح الحريري لها لم تعبر عن أي موقف واضح إزاءها، فيما قد يكون الحريري سمع موقفاً ملتبساً ربما كما هو حال مباركة السفير السعودي علي عواض العسيري، الذي قال إنه يبارك التسوية ولكن بشرط ان يتوافق عليها المسيحيون. ترجّح المصادر أن يكون الجواب الذي سمعه الحريري من القيادة السعودية هو "فلتجرّب، أو فلتسع، وهو ليس جواباً حاسماً، لكنه حمله إلى المرحلة التنفيذية، برغم ان السعودية لا تريد التسوية واستمرت في سياساتها ضدنا."
لا يخفي حزب الله أن المبادرة أحرجته مع حليفيه، وتؤكد مصادره انه حريص كل الحرص على وحدة قوى الثامن من آذار، وتشير إلى ان عون لا يزال مرشح الحزب الوحيد. ولكن هل تتكرر هذه الفرصة في إنتخاب رئيس من 8 آذار؟ تجيب المصادر "بمجرد قبولهم بانتخاب رئيس من فريقنا لمرّة واحدة فيعني أنهم مستعدون لذلك دائماً، ولكن بالنسبة إلينا العماد عون هو الأولوية، ونحن غير مستعدين للتخلي عن وثيقة التحالف لصالح رئاسة الجمهورية." فهل يعني هذا الكلام أن حزب الله ضد التسوية؟ تنفي المصادر ذلك، وتقول :" نحن اول من طرح التسوية، لكن تسوية شاملة فيها سلّة كاملة متكاملة، والشرط الأساسي عليها هو أن يكون عون الرئيس ولا أحد غيره."
في المقابل ترى مصادر المستقبل لـ"المدن" ان حزب الله لا يريد الحلّ في لبنان، وهو يريد تأجيل كل الإستحقاقات لأنه يراهن على تطورات إقليمية، ولذلك يحاول التذرّع بالعقوبات السعودية وحجب المنار لعرقلة هذه التسوية، لأنه لا يريد دولة في لبنان، بل يريد استمرار الفراغ. ولكن ماذا عن الحديث حول اللقاء الإيراني السعودي في فيينا، وأنه جرى خلاله التوافق على حلّ الأزمة الرئاسية؟ تنفي المصادر علمها بمضمون اللقاء، لكنها تشير إلى انه بحال تطرق إلى هذا الامر فإن إيران قد تكون تراجعت لحسابات معيّنة. فيما تعتبر مصادر حزب الله أن اللقاء حصل، لمدّة عشر دقائق في بهو الفندق، ولم يتطرق إلى الوضع اللبناني بل فقط إلى الوضع في اليمن، ولا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل.
لا يزال شدّ الحبال بين الحزب والمستقبل مستمراً، الحزب مع عون، والمستقبل بإنتظار موقف صادر عنهما، فيما فرنجية سيبقى مرشحاً متعلّقاً بأمل ما، وكل شيء معلّق على ما هو بالتأكيد أكبر من مجرّد لقاء عون وفرنجية، الذي طالب فيه عون بأن يحضر عضو تكتّله ومرشّح الفرصة الرئاسي ببرنامج كامل ليكون الحديث جدياً، بمعنى ان الشروط التي قد يقترحها عون ستكون تعجيزية، وتعجز أي مبادرة عن حلّها، وعليه فإن التسوية مؤجّلة في المدى المنظور، بانتظار البحث عن مخارج أو طروحات جديدة.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها