شكّل تصريح النائب سليمان فرنجية من بكركي حول علاقته بالنظام السوري، واعتباره لها نقطة قوة وليست نقطة ضعف، إشكالاً لدى تيار المستقبل، ولمفهومه ورؤيته للوضع السياسي العام في المنطقة منذ إندلاع الثورة السورية، لم يستفق جمهور التيار من ضربة مبادرة الرئيس سعد الحريري لترشيح فرنجية للرئاسة، حتى أتت الضربة الثانية بوقعها الأكبر. يعتبر تصريح فرنجية حول الحفاظ على علاقته بأصدقائه حين يحتاجون إليه، حشراً لـ"المستقبل" مع بيئته وحلفائه، فقد يكون كل شيء مقبولاً إلاً إعلان فرنجية إستمراره في العلاقة مع بشار الأسد. حتى أن هذا الجمهور يخشى ان تكون زيارة فرنجية الاولى إلى دمشق، فيهدم الهيكل على رؤوس أصحابه.
يبقى السؤال الأساسي، هو ما الذي يحققه الحريري من هذه التسوية؟ حتى الآن لا جواب واضحاً، ولا احد داخل تيار المستقبل يمتلك الجواب، إلا أن شخصيات مستقبلية نافذة تعتبر أن الإتفاق هو بمثابة مقايضة ما بين فرنجية في لبنان ورحيل بشار الأسد من سوريا، بالإضافة إلى عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وتسيير أمور البلاد وتحسين أوضاع تياره، وتعزيز اللحمة الوطنية والدولة، امتثالاً لمقولة "ما حدا أكبر من بلده."
وتشير مصادر القوات اللبنانية لـ"المدن" إلى أنها لم تتفهم حتى الآن السبب الذي يدفع الحريري إلى الدخول في هكذا تسوية، وتقول:" لا نفهم ما الذي يحاول فعله، بما أن الأسد سيغادر، فلماذا نأتي بصديقه وحليفه وربيبه رئيساً علينا؟ وإذا كان الأسد فعلاً في آخر أيامه فلننتظر قليلاً ونأتي برئيس يعبّر عن انتصار وجهة نظرنا، أو على الأقل يكون ضمانة لنا."
في المقابل، ترفض مصادر قريبة من الحريري لـ"المدن" اعتبار ما يجري، تسوية إستسلامية. تصفها بـ "ضربة معلّم" وتقول:" إن الحريري من خلال ذلك يكون قد حقق مكاسب عديدة، أولاً "قطع الطريق على النائب ميشال عون، وثانياً زرع الشقاق بين عون وفرنجية، وثالثاً العودة إلى البلد، وتصرّ الشخصية أن ما يجري هو مقدمة لحلّ سياسي في سوريا بدون الأسد." يجد هذا الكلام من يعارضه داخل تيار المستقبل، إذ أن هناك شخصيات عديدة تعتبره "ضربة على رأس الجمهور".
ولكن ماذا عن كلام فرنجية حول علاقته بالنظام السوري؟ تجيب المصادر القريبة من الحريري، بأن هذا متوقع من فرنجية، ولا يجب تحميله أكثر مما يحتمل، "كلامه جاء في سياق التأكيد على مصداقيته، بمعنى أنه حين يلتزم بأمر ما لا يتراجع عنه مهما كانت الظروف، وهذا ما أراد إيصاله حين قال إنه لن يتخلى عن أصدقائه حين يكونون بحاجة إليه". تعتبر المصادر أن كلام فرنجية هذا يهدف إلى طمأنة الجميع بانه لن ينكث بأي تعهد.
كما تؤكد المصادر أنه حين تمنى فرنجية على الحريري عدم مطالبته بأي موقف من سوريا وسلاح حزب الله، وافق المستقبل، بشرط الحصول على تعهد من فرنجية بعدم زيارة الأسد حين يصبح رئيساً، وهذا ما وافق عليه فرنجية.
أياً تكن النتيجة، إلا أن الإختلاف بين تفسير الحريري وتفسير جمهوره وحلفائه لما يجري أصبح مكرساً، والتباعد في الرؤى أصبح ظاهراً. بالنسبة إلى المؤيد للتسوية، فهي مبادرة إنقاذية، أما بالنسبة إلى معارضيها، فالحريري خضع لغير إرادته، وأبرم تسوية غير متكافئة، وبمعزل عن نتائجها بحال حصلت أو فشلت، فالحريري تخلّى عن الحلفاء والثوابت، وتعتبر أنه بمجرد التفكير بحليف الأسد، صدقاً أم مناورة، يعني ضرب المنظومة القيمية التي بنى عليها نفسه سياسياً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها