عقبات كثيرة ومطبات كبيرة شهدتها عملية التفاوض التي خاضها الجانب اللبناني مع جبهة النصرة من أجل الوصول إلى الخاتمة السعيدة، منذ سنة وأربعة أشهر بدأت عملية التفاوض لكنها لم تصل إلى نتيجة، شروط كثيرة وضعت، اعتبرها الجانب اللبناني مستحيلة، استعان بالصبر الطويل للوصول إلى مطالب معقولة يمكن من خلالها التنازل من أجل إعادة الأسرى إلى وطنهم وعائلاتهم.
في بداية التفاوض، طالبت جبهة النصرة بإطلاق سراح خسمة عشر موقوفاً من السجون اللبنانية مقابل إطلاق سراح كل عسكري مخطوف لديها، في ما بعد طالبت النصرة بشمول النظام السوري بالصفقة، عبر المطالبة بإطلاق سراح موقوفين من السجون السورية، وهنا رفضت الحكومة اللبنانية. تدخلت دولة قطر في ما بعد بطلب من لبنان عبر إرسال موفد من أصل سوري يدعى أحمد الخطيب، زار لبنان مراراً، لكن لم تصل الأمور إلى خواتيم سعيدة.
قبل فترة، وفق ما علمت "المدن" زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم دولة قطر، حيث التقى رئيس الاستخبارات القطري غانم الكبيسي، وجرى التشديد على وجوب الإنطلاق بجدية لإنهاء ملف العسكريين المخطوفين لدى جبهة النصرة، وأعيد تحريك عملية التفاوض، فحضر ضابط أمن قطري إلى لبنان وفعّل عملية التفاوض. فاستطاع الحصول على تنازلات من جبهة النصرة، والموافقة من قبلها على إنجاز العملية على دفعة واحدة وليس على دفعتين أو ثلاث، مقابل مطالب معقولة.
يشار إلى أن الإتفاق بين لبنان وجبهة النصرة كان منجزاً في حزيران الماضي، لكن أيضاً حصلت مستجدات حالت دون إتمامه، لا سيما مع إصرار جبهة النصرة على إنجاز العملية على دفعتين، ووفق ما يشير مرجع أمني لـ"المدن" فإن النصرة طرحت في حينها، أن تتسلّم خمس نساء مقابل إطلاق سراح ستة عسكريين والحصول على قافلة من المساعدات الغذائية والطبية، ويتم في ما بعد تسليم العسكريين المتبقين على مرحلتين أخريين لقاء فتح ممر آمن للجرحى، وإطلاق سراح المزيد من الموقوفين، فيما المرحلة الثالثة تتعلق بتسوية أوضاع اللاجئين في المخيمات وفك الحصار عنهم. ووفق ما يشير المرجع الأمني، فإن الجانب اللبناني رفض ذلك بسبب تخوفه من أن تتسلم جبهة النصرة النساء الخمس وتمتنع عن إستكمال العملية.
في مرحلة متقدمة، استطاع الجانب اللبناني المفاوض إلى جانب المفاوض القطري إقناع النصرة بحصول العملية على دفعة واحدة، مقابل إطلاق سراح ثلاثة عشر موقوفاً لدى الدولة اللبنانية، وعائلتين سوريتين موقوفتين لدى النظام السوري. ومن بين المطلق سراحهم من السجون اللبنانية، بالإضافة إلى خمس نساء من بينهم سجى الدليمي وعلا العقيلي، جمانة حميد، ليلى النجار من بلدة التل، سمر الهندي، ايضاً من بلدة التل بريف دمشق، مع ثلاثة أطفال.
بعد الإتفاق على هذا الأمر، بقيت عقبات لوجستية تعترض تنفيذ الصفقة، أبرزها، مسألة المساعدات وإلى أين ستتوجه، وقضية الممر الآمن، ونقل جرحى جبهة النصرة لمعالجتهم. وهنا يشير قيادي في جبهة النصرة لـ"المدن" إلى أن الصفقة كان من المفترض أن تحصل قبل ثلاثة أيام من إتمامها، لكن الأمور اللوجستية لم تكتمل، والجانب اللبناني استبق الأمر بالإعلان عن إنجاز الصفقة، علماً أن كل الترتيبات لم تكن جاهزة، وأبرزها ما يتعلق في قضية اللاجئين، وعدم قبول الدولة تسليم قافلة المساعدات قبل تسلّم العسكريين، بالإضافة إلى خلاف على قضية الشيخ مصطفى الحجيري، والممر الآمن ومسألة الجرحى، إذ يقول القيادي أنه كان من المفترض توفير نقل جرحى النصرة إلى تركيا لمعالجتهم الأمر الذي لم تلتزم به الدولة اللبنانية.
توقفت المفاوضات لبعض الوقت، ليعاود الوسيط القطري والمحامي نبيل الحلبي إحياء المفاوضات، حيث تم التوصل إلى إتفاق نهائي، ويشير الحلبي لـ"المدن" إلى أن بنود الإتفاق تشمل: تأمين اغاثة شهرية للاجئين في المخيمات، وتأمين وممر للجرحى لمعالجتهم في مشافي عرسال، بالإضافةإلى تسوية اوضاع اقامة اللاجئين داخل لبنان وجعل وادي حميد منطقة آمنة للاجئين، بمعنى فتح الحاجز أمام اللاجئين لتأمين إحتياجاتهم.
في المقابل أكد اللواء ابراهيم لـ"المدن" أن الصفقة أنجزت، بشروط تحفظ السيادة اللبنانية، لافتاً إلى أنه في حالات كهذه فإن أي دولة تدفع بعض التنازلات، وقد نجح لبنان، في دفع أقل التكاليف لقاء إطلاق سراح العسكريين." وكان إبراهيم قد صرح بعد إنجاز العملية بأن الفرحة لن تكتمل إلا بعد تحرير العسكريين لدى تنظيم داعش، مؤكداً الإستعداد للتفاوض "إذا وجدنا من نتفاوض معه."
ووفق ما علمت "المدن" فإن إشكالية لا تزال موجودة في مرحلة ما بعد إنجاز الإتفاق وهو قضية الشيخ مصطفى الحجيري، ومسألة وجود مسلحي جبهة النصرة في جرود عرسال، إذ على صعيد المسألة الأولى، فإن الجانب اللبناني كان يرفض إشراك الحجيري بأي عملية تفاوض لأنه صدر بحقه حكم بالإعدام، فيما كانت النصرة مطالبة بضرورة تسوية ملفه وإشراكه في عملية التفاوض، وقد حصل تقدم في هذا الملف لكن من دون إتضاح تفاصيله، لا سيما أن الحجيري قد ظهر مع عناصر جبهة النصرة أثناء تسليم العسكريين إلى الجنب اللبناني. أما في ما يتعلق بالمسألة الثانية وهي قضية العسكريين، فيؤكد القيادي في النصرة أنهم باقون في جرود القلمون، ولكن ماذا إذا ما حصلت عملية عسكرية من قبل حزب الله؟ يجيب بأنهم جاهزون للمواجهة، فيما تشكك مصادر لبنانية بهذا الأمر، لافتة إلى أن المسلحين كانوا يطالبون بممر آمن إلى الداخل السوري، من دون تحديد تفاصيل أخرى حول وجهتهم، إلا أنه من بين البنود التي طرحت في التفاوض هو دخولهم إلى إحدى قرى القلمون كفليطا مثلاً لكن الأمر غير واضح بعد، والأيام ستكشف المزيد حول هذا الملف.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها