خطابان متواليان للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كانت نبرته فيهما هادئة، خالية من التصعيد، وفيها استعداد للبناء على تسوية داخلية، ومدّ يده إلى الشركاء في الوطن، وشكرهم على تعاطفهم بعد تفجير برج البراجنة، ووجه الشكر لفرع المعلومات على عمله الحثيث في كشف خيوط المفجرين. هذا الكلام في السياسة له معان كثيرة، لا سيما إذا ما ربط بالتطورات السياسية التي تشهدها الأزمة السورية.
يحاول نصر الله فتح أبواب جديدة، شدد كثيراً على ضرورة إيجاد الحلول في الداخل، والوصول إلى التسويات، واللافت كان حرصه على التمسك باتفاق الطائف، ونفى أن يكون أي مطلب يتقدم به الحزب يهدف إلى تغيير الطائف أو يصب في سياق المؤتمر التأسيسي، ولذلك كان تأكيده بأن ما يريده فقط هو إخراج لبنان من الشلل وإعادة إنتاج العمل المؤسساتي فيه.
وفق ما تشير مصادر مطلعة لـ"المدن" فإن نصر الله يحاول استباق التسويات الدولية والإقليمية، وتحصين نفسه محلياً، لأن الأمور تقرأ من فيينا واللقاءات فيها، لا سيما مع بدء الحديث عن الحل السياسي في سوريا، ووجود بوادر، لأول مرة، لمبادرة سياسية لحل الأزمة، تتحدث عن مرحلة إنتقالية وإنتخابات مبكرة، وهذا لا يتلاقى مع النظرة الإيرانية التقليدية، حول التمسك ببقاء بشار الأسد رئيساً حتى إنتهاء ولايته والتمسك بإعادة ترشيحه، لكن الآن يبدو أن الأمور الدولية تتغير، والمبادرة الروسية تقوم على أساس إنتخابات مبكرة من دون الحديث عن مصير الأسد، وهذا يعتبر تراجعاً في التوجه الإيراني.
وتعتبر المصادر المقربة من الحزب لـ"المدن" أنه في النهاية وعند أي تسوية فإن أي طرف سيقدم تنازلات ولن يحصل على كل ما يريد، وإن كانت إيران تضع أهدافاً أساسية معينة ربما تتراجع عنها، ولكن هناك حدآً أدنى من هذه الأهداف: هدف إيران الأساسي هو الحفاظ على النظام في سوريا، وليس بالضرورة على رئيس النظام السوري.
وترى المصادر أن حزب الله، بعيد إنجاز التسوية والوصول إلى توافق معين في سوريا، لن يكون هناك من داع لبقائه في سوريا، وسيعود إلى لبنان، ولذلك فهو يحاول تحصين الساحة الداخلية، وفتح الآفاق أمام عودته بدون أي توتر.
بعيد التدخل الروسي في سوريا، تراجع الدور الإيراني إلى المرتبة الثانية، وازداد حجم الخسائر الإيرانية في سوريا، وهناك من يسعى إلى اللعب على التناقضات الروسية الإيرانية في سوريا، والتي ظهرت ضمنياً في لقاءات فيينا على الرغم من تمسك روسيا بضرورة مشاركة إيران، لكن هذا لا ينفي كلام بعض المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، ووزير الإستخبارات الإيرانية محمود علوي، عن أن التدخل الروسي في سوريا يهدد المصالح القومية الإيرانية.
بوادر الشقاق موجودة، ولكنها محجوبة لأن التنسيق لازم بين البلدين، والعلاقة وطيدة، وهناك سعي دولي، لا سيما أميركي للحفاظ على دور روسيا ودور إيران، ولكن في النهاية لكل دولة مصالحها. وفي هذا السياق تحاول روسيا سحب الدور الإيراني لصالحها.
وترى المصادر القريبة من الحزب أن الحرب السورية ستنتهي يوماً ما مهما طال الزمن أم قصر، وحزب الله سيعود إلى لبنان، ولذلك فلا بد من أن يكون الوضع اللبناني جيداً بالنسبة إليه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها