newsأسرار المدن

هل "حزب الله" مرتاح؟

إيلي القصيفيالأربعاء 2015/10/28
C:\Users\Rainbow5\Desktop\Image2.jpg
حجم الخط
مشاركة عبر
كان واضحاً في خطاب السيد حسن نصرالله في العاشر من محرم أنّه يخاطب أولاً بيئة الحزب التي احتشد منها حشد غفير يستمع إليه مباشرة. طبعاً لم يخل الخطاب من رسائل إلى الخصوم، لكنّ جلها جاء هذه المرة بطريقة غير مباشرة، سواء عبر حجم الحشد وحماسته وتفاعله مع الخطاب، أو عبر تأكيد نصرالله خوض المعركة إلى الآخر، بقوله: "هذه معركة نؤمن بها ونخوضها عن بصيرة وسنشارك فيها وسننتصر فيها إن شاء الله، أقول لكم سننتصر فيها إن شاء الله، لكن هذه المعركة بهذا الفهم وبهذه الحقيقة وبهذه البصيرة لا يمكن أن ننسحب منها أو نتخلى عنها أو نتراجع فيها".


ولعلّ أبرز ما جاء في الخطاب في سياق التوجه إلى "الخاصة": "بكل صراحة: من يتراجع ـ وليس فينا من يتراجع ولكننا نفترض ـ من يفكر أن يتراجع فهو كمن يترك الحسين ليلة العاشر في وسط الليل". أمّا تركيز الخطاب في مجمله على أن "الإدارة الأميركية هي عدونا الذي سنواجهه، الآخرون أدوات"، ليس ذا مضمون سياسي قوياً في اللحظة الراهنة، إذ باتت زبدة خطاب نصرالله في كلامه عن سوريا ولبنان واليمن أخيراً، ولم يعد كلامه عن العدو الإسرائيلي والشؤون الفلسطينية و"المشروع الأميركي" يحظى باهتمام كبير لدى المستمعين إليه.


يسأل كثيرون اليوم ما إذا كان حزب الله مرتاحاً لسياق التطورات في سوريا والمنطقة عموماً، خصوصاً بعد التدخل الروسي في سوريا في مرحلته الجديدة بعد 30 أيلول الماضي؟ السؤال يستند في الأساس إلى التحليل القائل إن التدخل الروسي في سوريا على النحو الذي نشهده بعد 30 أيلول أضعف "الوجود الإيراني" في هذا البلد الغارق في مأساته. أي أنّ العامل الروسي في الأزمة السورية بات يتقدم على العامل الإيراني الذي عزز نفوذه على الأراضي السورية طوال المرحلة الماضية، والذي كان يدير حروب جيش النظام السوري عبر المستشارين الإيرانيين وقوات حزب الله وسائر الميليشيات التابعة لإيران. وبطبيعة الحال استحوذت إيران طوال هذه الفترة على حيز واسع جداً من القرار السياسي للنظام السوري، باعتراف الأخضر الابراهيمي المبعوث الأممي السابق إلى سوريا.


 ثمة رأي يقول إن دور حزب الله في الحرب السورية "بات هامشياً"، أو بالحد الأدنى خاضعاً للأولويات الروسية في الميدان ومفاوضات الحل السوري. وهذا واقع لا يمكن دحضه وإن كان الذهاب بعيداً في الاستنتاج أنّ "الدب الروسي" أطاح بالدور الإيراني في سوريا أو جعله هامشياً فيه مخاطرة وتسرّع، خصوصاً أنّ البعد الإيراني في "سياسة" روسية في روسيا لم يتضّح بعد. لكن الأكيد أنّ ما قبل 30 أيلول في سوريا ليس كما بعده، وأنّ معادلات وتعقيدات جديدة دخلت على خط الحرب والجهود السياسية لحل الأزمة هناك. والعلاقة الإيرانية- الروسية في سوريا جزء أساسي من هذه المعادلات المستجدة والتعقيدات الإضافية. لكن لا يمكن في هذا السياق نسيان زيارة الجنرال قاسم سليماني إلى موسكو في تموز الماضي ونقله للروس حقيقة الميدان السوري الذي لم يكن لمصلحة النظام السوري وحلفائه، لا بل باتت مخاطر انهيار النظام كبيرة جداً، خصوصاً بعد سقوط إدلب في يد المعارضة.


أي أنّ الروس أنقذوا الوضع الإيراني في سوريا، وبالتالي تدخلهم كان مصلحة إيرانية أيضاً في دعم النظام المتداعي وتمكينه من إعادة ترتيب نفسه وإن بتعثّر بيّن. وفي النهاية الإيرانيون يشكلون حاليا إحدى ركائز القوات البرية التي تقاتل بغطاء جوي روسي، وقد زادوا مؤخراً عدد مستشاريهم في سوريا، وفق ما قال المسؤول الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وهذا قد يفسر خشية إيرانية من خسارة النفوذ في سوريا، لكنّه لا يدحض التنسيق الإيراني- الروسي في الميدان السوري. 


لكن مع ذلك، ليس سهلاً على البيئة الواسعة لحزب الله أن تتبيّن ملامح المعركة السورية، وفي الوقت نفسه ملامح المفاوضات لحل الأزمة هناك. والناس عموماً يقيسون الأمور على نحو ضيّق يتصل بيومياتهم وبالنتائج المباشرة لأي أفعال ينخرطون فيها، وليس لديهم أبعاد "استراتيجية"، أيّ أنهم لا ينظرون إلى الأمور بمآلاتها النهائية بقدر ما يتأثرون بالنتائج الآنية للأفعال المعنيين بها. وغالب الظن أن "البيئة الواسعة أو المتسعة" لحزب الله ليست مختلفة في هذا الأمر، إذ من الطبيعي أن تسأل مثلاً: إلى متى سنظل نقاتل في سوريا؟ وما هو دورنا فعلياً في الحرب هناك، وقد باتت مسرحاً لصراع قوى كبرى؟ وما قد يفاقم هذه الأسئلة بطبيعة الحال نعي الحزب باستمرار لشبان يسقطون في الحرب السورية، وقد نعى هذا الأسبوع ثمانية دفعة واحدة، من دون ذكر مكان سقوطهم.


وهذا طبعاً بالغ الأثر في نفوس أهل الجنوب وبعض البقاع، الذين لم يشهدوا على انتصار واضح لحزب الله منذ معركة القصير. فأين يموت كل هؤلاء الشباب وكرمى لعيون من، طالما أن لا انتصارات واضحة على الجبهات؟ وبالتالي بات أسهل علينا تصديق الآراء التي تتحدث عن تململ في أوساط بيئة حزب الله من استمرار الحزب في الانخراط بحرب الاستنزاف السورية، خصوصاً بعد قول السيد نصرالله: "(...) من يفكر أن يتراجع فهو كمن يترك الحسين ليلة العاشر في وسط الليل". وهذا يذكرنا، في بعض جوانبه، في منع كثير من الآباء أبنائهم من الانضمام إلى الميليشيات أثناء الحرب، خصوصاً بعد "حرب السنتين"، فـ"الأيديولوجية" ليست دائماً أقوى من أسئلة الناس الفطرية ونظرتهم الواقعية للأمور!

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث