الثلاثاء 2015/01/06

آخر تحديث: 17:18 (بيروت)

حب 2015

الثلاثاء 2015/01/06
حب 2015
وائل أبو فاعور (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

 

يبدأ العام 2015 بالحب. الفواكه والحلويات تجمع تيار المستقبل وحزب الله على مائدة عين التينة. ثُم، مسألة أيّام قبل أن ينعم المسيحيون بصورة للنائب ميشال عون ورئيس حزب اللقوات سمير جعجع وهما يتحاوران ويحاولان التقارب على وقع "الحب" الإسلامي الذي دبّ فجأة في كل مكان.

 

في الحبّ الأوّل، صار الملعب ضيّقاً على لاعبيه. الخوف يُنتج نوعاً آخر من الحب. الخوف من الآخر، قد يكون أسلوباً جديداً لنسج علاقات خالية من دسم الشعارات والمبادئ. اليوم، وبالخوف وما يفعله، ينتهي الإحتقان وتُطوى صفحات مسبباته. مبادئ الشراكة (التي كانت شروط مشاركة المستقبل لحزب الله، قبل الحكومة طبعاً)، قلّت فيها المطالب حتى صارت عابرة. أن يختبئ مسلحو حزب الله وسراياه في مدخل بناية، بدل أن يكونوا على ناصية الشارع، خطوة كافية من أجل أن تعمّ المحبة. وهذا ليس سيّئاً. كان يجب أن يكون مُنذ زمن، وبلا ذلك الشعر الوطني الذي لا لزوم له، طالما القدرة عليه لا تتعدى تصريحاً أو خطاباً أو مقابلة إذاعية منمّقة لعامة الشعب، كي يفهم.

 

في الحبّ الثاني، شيء يصعب تخيّله أو فهمه. يصعب، ليس لأن الطرفين لا يرغبان بحوار لا يجعل المسيحيين خارج المعادلة. بل، لأن طرفاً فيه لا يعنيه أي شيء سوى مصلحته الشخصية. الطرف الآخر، لطالما قال بالمصلحة الوطنية، والتحدي أمامه أن يسخّر المصلحة المسيحية من أجل تلك الوطنية، وهو ليس بعيداً عنها. بل هو، من آخر من تبقى فيها ولها.

 

مشكلة الحبّ الثاني المطلوب، أنه خيالي بعض الشيء. من يقتنع أن ميشال عون لديه الرغبة، بمصلحة، قد تزيح مصلحته الشخصية أو تضعها على رف الانتظار، ولم يبق من العمر من مهل انتظارية؟  قلّة. جعجع يُدرك ذلك أكثر من أي شخص آخر. الحبّ الثاني، سيحاول، وإلى أين سيصل؟ أأبعد من ذلك الذي وصل إليه الرئيس سعد الحريري مع عون حين اكتشف الأخير أن إمكانية توضيب الحقائب والانتقال إلى بعبدا صارت ضئيلة؟ أيضاً كلا. الحب الثاني محاولة، الفارق أن الحب الأوّل يخضع لاعتبارات الإقليم ومن يحكمه، من إيران إلى السعودية. الحبّ الثاني لا يخضع. هو مبادرة في وقت حساس، سيُخضعها عون إلى معياره الذي لم يتغيّر منذ زمن. المحاولة ليست خطيئة. المراهنة الكبيرة قد تكون كذلك.

 

بين الحبين، هناك من أحب أن يكافح الفساد (بعيداً عن تاريخ كان فيه الكثير من الهدر، لا يهمّ فالكل معتاد). وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، يحاولان. الفكرة بحد ذاتها غريبة عن الواقع اللبناني. أهمّ ما فيها أن وزراء التيار الوطني الحر ليسوا جزءاً منها. ما فعله أبو فاعور في أشهر معدودة، فضح كل الهالة التي نسجها العونيون حولهم. أعادهم، كما غيرهم، محترفي بيع الكلام الكبير، ومتسلقي الخواء اللبناني العام.

 

يتبيّن، بحسب ردات الفعل على ما يقوم به أبو فاعور من إصلاح وإن متأخراً، أن اللبنانيين غير مستعدين لهذا النوع من العمل العام. غير وزراء الإصلاح والتغيير، يفضح أبو فاعور عقم السياسة وأحزابها التي تبدو حائرة بكيفية التعامل مع حملته. ثُم أكثر من يفضح، هو المجتمع المدني اللبناني. فهذا المجتمع، يقول إن هذه الحملة هي للتغطية على التمديد ويجلس جانباً بعد أن فشل في معركته ضد الطبقة السياسية. يبدو كأنه غير قادر على مجاراة وزير الصحة، فلا هو تلقف الفرصة لفتح ملفات أخرى وأوسع من "سلامة الغذاء"، ولا هو مستعد كي يستفيد من جرم التمديد ليمارس ضغطاً إصلاحياً حقيقياً. لملم الـ128 "مكنسة" التي حملها إلى ساحة النجمة، وعاد بها إلى مكاتبه الكثيرة.

 

حملة أبو فاعور وما يقوم به شهيّب، حوّلا النقاش السياسي في البلاد. في جزء من هذا الأمر، يبدو أن النائب وليد جنبلاط الوحيد الذي يضع رجليه على الأرض. لا مكان للكلام الكبير في بلد أصغر من حدوده الصغيرة أساساً. قد يكون أمن اللبناني الغذائي والبيئي، هو اكتشاف عقم الاتفاق اللبناني، وحجم الانقسام السياسي. يذهب جنبلاط مع وزرائه إلى "الصحة". لن يسلموا من انتقادات ولا من حملات. التواضع، أفضل من التراجع. هذا درس جديد.

 

توزياً، هناك من قرّر طرد السوريين من لبنان، بطريقة "مهذبة"، ومؤسساتية طبعاً. الحب يفعل الكثير فعلاً. مقارنة بتدرج مواقف هؤلاء تكفي، كي يتبيّن هذا المعدن الوطني، العروبي، القومي، الممانع، لدى من هم ضد الممانعة "صورياً" أو مرحلياً، على ما يبدو.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها