الأربعاء 2015/01/28

آخر تحديث: 20:58 (بيروت)

البيان رقم واحد ...

الأربعاء 2015/01/28
البيان رقم واحد ...
طهران وواشنطن يحافظان على المعادلات السابقة (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

إبتعلت إسرائيل ضربة حزب الله في الأراضي اللبنانية. أجّلت الحرب "الشاملة" الى وقت لاحق، سيأتي، لا محالة، حين تنضج ظروف الطرفين وتحضيراتهما للحرب. الضربة، بحجمها المحدود، لا يمكن أن تشعل حرباً شاملة. يدرك حزب الله ذلك، كذلك اسرائيل التي ستحتويها، بوصفها رداً عسكرياً، سبق أن تم ترتيبه، بحجمه وهدفه، في موسكو قبل يومين. وأثمرت الضربة نتيجتين: حزب الله يستعيد صورته كرأس حربة في محور الممانعة، قادر على الرد، إضافة الى تكريس العرف الدولي القائم منذ حرب 1967 بين العرب وإسرائيل.

 

منذ اللحظة الأولى للضربة، المحدودة وغير الموجعة لاسرائيل، بدت العملية رسالة تحذيرية، لا ترقى الى مستوى المسبّب لحرب شاملة. التحذير، بدا في استخدام الحزب، لأول مرة، عبارة "البيان رقم واحد". بدت العبارة خطة لاحتواء الضربة، لا تخرج عن السياق الرسائلي، كبند من بنود التفاوض عبر وسائل الإعلام. وهي حرفة أتقنها الحزب خلال تجربته مع إسرائيل، ونجح فيها.

 

تلقفت إسرائيل الرسالة التي بدت مؤشراً على غياب أي نية للتصعيد، وتلغي، أيضاً، أي احتمال للردّ الواسع. حمل المصطلح مؤشراً على تهديد "مفتوح"، يُسوّق محلياً أمام الجمهور، ويحفظ ماء وجه القادة العسكريين الإيرانيين الذين توعّدوا بالضربة، ودفعوا باتجاهها، ومحدوديتها أيضاً. الرسالة فهمتها تل أبيب بوصفها عملية محدودة، وأن الحزب غير تواق لحرب شاملة. نوقشت في اجتماع هيئة الأركان، وبين أركان الحكومة الاسرائيلية. فهمت الأخيرة بأن الردّ الذي يرقى الى مستوى الحرب، مؤجل، الى عملية مقبلة، تحمل رقم "البيان 2" أو "3".. وقد يكون ذريعة لشن حرب، في حال تنفيذه.  

 

و"البيان رقم واحد"، يحمل إشارة سياسية مهمة الى تدشين مرحلة صراع جديدة، أفرزتها التطورات السورية، وانخراط الحزب في قتال هناك. المصطلح الجديد على أدبيات حزب الله الإعلامية، يعبّر عن تلازم المسارين العسكريين، على الجبهة الداخلية السورية وضد إسرائيل، مضافاً الى موقع العملية الجغرافي. فالحزب، لم يختر نقطة حدودية ضعيفة في الحدود الجنوبية. فقد نُفذ العملية على بعد مئات الأمتار عن خط فض الإشتباك السوري مع اسرائيل في هضبة الجولان، على الضفة الحدودية مع لبنان. وبمعنى أوضح، إستهدفت إسرائيل موكب الحزب على مسافة قريبة من خط فض الإشتباك في الضفة السورية، فجاء الردّ، بالبعد الجغرافي نفسه، على الخط الغربي المقابل. هي رسالة بأن الجبهتين متلازمتان، وتقعان على خط النار نفسه.

 

واحتواء الحزب الضربة، لا يقتصر على الحجم المحدود لها. في بيان الإعلان نفسه، قال الحزب إن كتيبة "شهداء القنيطرة" نفذت العملية، ما يؤكد أن توقيتها، لا يتخطى الردّ على العملية السابقة، من غير أي اشارات الى إستهداف اسرائيل لمربض المدفعية في القنيطرة الليلة الماضية قرب اللواء 90، وهو ما يبقي الضربة ضمن ضوابط قواعد الاشتباك والتوازن العسكري، ولن يتخطاها إلا إذا أفرزت التطورات بياناً بأرقام متسلسلة لاحقة.

 

على الأرجح، ما كان احتواء حزب الله للضربة، برسالته التي حملها البيان رقم واحد، ليمنع إسرائيل عن إطلاق حرب واسعة، لولا ظروف دولية غير مهيئة للحرب. فالطرفان المعنيان بحرب مدمرة، وهما الولايات المتحدة وإيران، يتقاربان على ملفات كثيرة، تمنع أي تعديل بقواعد التوازن اللبناني والإسرائيلي. فحزب الله لا يزال يحتفظ بقدرته على الردع، ولا تزال إسرائيل تحتفظ بقدرتها على ضبط الردود، بما يبقي قدرتها على التلويح بخيارات أخرى مفتوحة. وفي الوقت نفسه، يدفع الطرفان، الأميركي والإيراني، الى تقارب جدي، لن تعكره حرب بين أذرع الطرفين في المنطقة، ويدفعان أيضاً الى حماية اتفاقات الصراع غير المعلنة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها