زحمة اخبار الحراك الشعبي المتصل بملف النفايات وهيمنته على الحدث السياسي والمضمون الاعلامي في لبنان، اعاق الالتفات الى مضمون كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى السابعة والثلاثين لتغييب الامام موسىى الصدر.
لم يبقَ من الكلمة الا مبادرة بري بخصوص الحوار حول العناوين الخلافية الرئيسية في البلد وأولها ملف رئاسة الجمهورية وإعادة ترميم مؤسسات النظام من حكومة وبرلمان.
الحدث الشارعي خطف من بري ما قد يكون الخطاب الاهم الذي القاه، لا سيما في توقيته، على تقاطع صدام شيعي شيعي ساحته العراق حتى الان، وفي مضمونه الذي بقدر ما عكس “خوف” بري، عكس رعب حزب الله من تفكك البيئة الحاضنة لمشروعه.
متابعة الخطاب تلحظ إنعدام تفاعل الجمهور “الحركي” مع المقطع المخصص للحديِث عن إيران والإتفاق النووي، الذي يفترض أنه انتصار للشيعية السياسية ولو في طهران! في المقابل لا يفوت المدقق حجم التفاعل و”الهوبرة” التي حظي به آيه الله السيستاني الذي يخوض معركة محسوبة وهادئة مع إيران في العراق من خلال الحراك الشعبي هناك! لا تفترض هذه الملاحظة إدراك وإلمام جماهير المهرجان بدقائق وتفاصيل الحدث السياسي العراقي وإنتباههم لدقة التجاذب الشيعي الشيعي الحاصل هناك، بقدر ما هي ملاحظة تنطلق من معرفة مسبقة بكيفية تحريك الجماهير في احتفالات مماثلة من خلال زرع “فرق الهوبرة” وتوزيعها، بغية بث الرسائل هنا وهناك!
النقطة الثانية اللافتة في خطاب بري كانت في عودته المفاجئة الى استخدام عبارة “سوريا الاسد”، ربما للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، هو الذي حرص على تحييد حركة أمل عن مواجهتها، الى حدود نفي بري علناً انخراطه في المعركة العسكرية ضدها، حتى حين حاول حزب الله الزج به فيها عبر ترويج صور قيل إنها لمقاتليه وإعلامه في القلمون!!
قال بري “الجلي ان سوريا الاسد تدفع الاثمان عبر مؤامرة مستمرة لانها تشكل واسطة العقد لمحور المقاومة وبالتالي المطلوب غرفة عمليات موحدة وتجفيف مصادر الارهاب”، وهذا التوصيف، “سوريا الاسد”، غاب عن خطاب الرجل منذ اربع سنوات، الى حدود إسقاطه سوريا من خطابه في مناسبات سابقة. وبالتالي تبدو العودة الى عبارة سورية الاسد بمثابة اوراق اعتماد، وتجديد ثقة، وفدية خطابية، يعيد بري تقديمها لحزب الله في لحظة إشتباكه معه في العمق حول الدفع بالجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وفي هذا السياق كان لافتاً في الايام والاسابيع الاخيرة مستوى التجرؤ على رئيس المجلس من بعض الاصوات الاعلامية وغير الاعلامية من المعروفين بصلاتهم الوثيقة بحزب الله. أحد المعلقين السياسيين كتب في صحيفة النهار ما يشبه الانذار لبري، على خلفية تناوله عدم تضامن وزراء أمل مع وزراء عون وحزب الله بالانسحاب من جلسة الحكومة الاخيرة. المقالة الانذار، وهي غير مسبوقة في مخاطبة بري منذ حرب اقليم التفاح بينه وبين حزب الله، ذكرت رئيس حركة امل بأنه “لم يعد في مقدوره المضي قدماً في عملية تغطية جلسات مجلس الوزراء في ظل مقاطعة المكونات الاربعة وبالاخص حليفه الأوثق حزب الله” وأنه “تجاوز هوامش التحرك المباح له التحرك فيها في اللعبة السياسية الداخلية”.
وتمضي المقالة الإنذار بكشف رسائل تحذيرية غير مباشرة ارسلت الى بري “جوهرها ان المضي في عملية تحدي العماد ميشال عون وتأييد خصومه في المواجهة معه امر ليس من الصغائر، وان الحزب جاد كل الجدة في ترجمة ما اطلقه سيده من انه محظور تماماً على أي كان الإيغال في عملية كسر العماد عون أو تهميشه”.
بل حضت المقالة بري على تقديم اوراق اعتماد جديدة في مهرجان الصدر ناقلة أن “ثمة من يرى ان الاجابة عن هذا السؤال ستكون في خطاب بري غد في احتفال حركة "أمل" في النبطية في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه”.
في الخطاب قدم بري رشوة رمزية لحزب الله بالعودة الى “سوريا الاسد” وما تعنيه اليوم من منظومة كاملة يديرها حزب الله وايران، لكنه في العمق ماضٍ في مواجهة محسوبة من خلال الدعوة الى حوار حول الرئاسة، يعرف هو ويعرف حزب الله انه لن ينتهي بإيصال عون الى بعبدا، وهي دعوة تحمل رداً ضمنياً على حزب الله، لأن ترجمتها العملية تعني ان الجميع ممر الزامي للرئاسة وليس عون!!
قد يجد البعض انه من نكد الدنيا على المرء أن يجد في الرئيس نبيه بري مخرجاً. لكن ثعلب السياسية اللبنانية يبعث برسائل مهمة في لحظة انتقالية في الاقليم، مستظلاً “عروبة ما” في الموقف من السعودية واليمن، بما يعاكس نص نصرالله جملة وتفصيلاً.
بري يرشو نصرالله
نديم قطيشالاثنين 2015/08/31

يبعث بري رسائل مهمة في لحظة إنتقالية في الإقليم (تصوير: علي علوش)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها