من البديهي أن يكون قرار تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، والذي اتخذه وزير الدفاع سمير مقبل، قد حظي بمباركة من "حزب الله"، لا بل هناك من يقول وبثقة مطلقة أن هذا التمديد هو مطلب للحزب، وغطاه إلى الحدود القصوى، خصوصاً أنه لا يمكن أن يمر قرار بهذا الحجم من دون موافقة حارة حريك عليه.
المستغرب بالنسبة إلى مختلف الأفرقاء، وخصوصاً جمهور "التيار الوطني الحرّ" هو أن حلفاء رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون تخلوا عنه، ويعتبرون أن في الأمر خيانة، خصوصاً أن أكثر ما يغيظهم توجيه عون إتهاماته إلى خصومه فيما لم يوجّه أي انتقاد لحلفائه.
بالنسبة إلى العونيين، ليست المرة الأولى التي يخذل فيها "حزب الله" عمادهم، من إتفاق الدوحة في العام 2008 وإنتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، مروراً بعدم تعيين مسيحي لمنصب المدير العام للأمن العام، وصولاً إلى التمديد لمجلس النواب، والمعركة الرئاسية الحالية، واليوم مسألة تعيين قائد جديد للجيش، وعلى الرغم من كل ذلك، والشعور الشعبي العوني بالغبن من "حزب الله"، فلا قدرة لعون على مواجهة الحزب، وعليه تشير مصادر قريبة من الرابية لـ"المدن" أنه "من السهل تحميل المسؤولية عادة الى من يمكن خوض المعارك معه ومهاجمته، وهذا غير متوفر لدى عون مع حزب الله".
ثمة همس في كواليس "التيار الوطني الحرّ"، أن "حزب الله" هو من أراد وسعى الى التمديد لقهوجي، على قاعدة: "من تعرفه أفضل ممن ستتعرف عليه"، خصوصاً أن هناك تنسيقاً فعلياً بين الجيش والحزب في المسائل الأمنية، وعلى طول الخط الحدودي مع سوريا من العريضة إلى المصنع. وتؤكد المصادر أن الحزب أجرى اتصالاً بقهوجي مهنئاً بالتمديد.
يضيق أفق العونيين، لا حيلة لديهم، فـ"الجنرال" مع "حزب الله"، ظالماً كان أم مظلوماً، لأن الحلف بينهما استراتيجي ووجودي، وهم يعتبرون أن عون يسلّف الحزب مواقف الآن على أمل أن يأخذها في وقت لاحق. لكن ماذا في حال لم يأخذها على غرار ما جرى في السابق؟ فأيضاً ليس لدى عون أي خيارات، لأنه يفتح معاركه مع الجميع، ويريد الإستقواء بأحد، خصوصاً أنه يخوض معاركه السياسية بزنود الحزب.
في السياسة أحياناً يقرأ الإختلاف السياسي بين حليفين من حجم الإشادة، وهذا ما تبدى بشكل واضح في كلام عون إثر الإجتماع الإستثنائي لتكتل "التغيير والإصلاح" يوم السبت الفائت حين قال إنه لولا دفاع "حزب الله" وقتاله لكان مصير المسيحيين كمصير المسيحيين في نينوى. في هذا الكلام إشارة من عون إلى جمهوره الغاضب على الحزب، خصوصاً أنه أراد أن يخرج الأمر من مسألة خلاف على قضية إدارية لإبقاء ارتباط الأمور في المواضيع الإستراتيجية.
ينسجم عون مع "حزب الله" في مختلف الأمور والجوانب إلى حد التماهي، يختلفان في موضوع التمديد لكن الحزب لا يريد إغضاب عون، يؤيد مواقفه ومطالبه، لكنه لا يعارض التمديد ولا يريد تحريك الشارع، ولذا فإن الوصف الدقيق لواقع العلاقة الآن هو أن الحزب يمسك العصا من الوسط مع حليفه.
وتشير مصادر "حزب الله" لـ"المدن" إلى أن الحزب بصدد إيجاد صيغة ترضي عون، لا سيما ان كل تصريحات قيادات الحزب تدعو إلى التهدئة والتوافق من أجل إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الحليف، ولا تخفي المصادر أن كل الخيارات دونها صعوبات، لأنها محاولة اختراع صيغة ما من دون أن تحدث أي خلل أو ارتدادات، والأمر ليس سهلاً، ولا تبدو طريقه سالكة.
وعلى الرغم من كل "العتب العوني" وإن كان خفياً، إلّا أن "حزب الله" يبقى على ثقته واطمئنانه، فعون هو بحاجة الحزب، لأنه منعدم الخيارات، وقد استنفذت جميعها، ومن هنا تولد قناعة ثابتة لدى "حزب الله" بأن عون لا يستطيع الخروج على التحالف، لأن "تبيان حجم عون الحقيقي وهشاشته مرتبط بمدى إبتعاد الحزب عنه"، لأن قوته مرتكزة على قوة العلاقة مع الحزب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها