لا تسمح الظروف التي يمرّ بها لبنان الإستمرار في السياق السياسي نفسه، يدرك النائب وليد جنبلاط هذه المعادلة، يكاد يكون الوحيد الذي يقوم بهذا الحراك عبر لقاء جميع الأفرقاء بغية تحصين الساحة الداخلية وحماية لبنان من تداعيات الحروب التي تشهدها المنطقة، يساور القلق جنبلاط، فيقدم على خطوات لتعزيز الحوار بين جميع المكونات، لعلّ حراكه ينتج إيجابية معيّنة. دفعت الظروف الدقيقة برئيس اللقاء الديمقراطي إلى زيارة معراب، يقرأ جنبلاط الخطورة بحذافيرها ويتحرّك لتقويضها.
تأتي زيارة جنبلاط إلى معراب للقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، من ضمن الجولة التقليدية التي بدأها منذ فترة على جميع الأفرقاء وخصوصاً المسيحيين أياً كانت توجّهاتهم. تأخرت هذه الزيارة لأسابيع بسبب إنزعاج جنبلاط من تعاطي جعجع مع المرشح الرئاسي النائب هنري حلو، طلب حلو موعداً لم يحدّده جعجع. لكن الظروف والأخطار المحدقة دفعت جنبلاط إلى الترفّع عن كلّ التفاصيل البروتوكولية وزار معراب في إطار المحاولة التي يقوم بها لتطويق الفتنة. الزيارة، ربما لن تقدّم أي جديد، لكنها تبقى في إطار محاولة جنبلاط تحريك الركود السياسي.
اتسمت الزيارة بالإيجابية والودّية، بدأ اللقاء بتبادل للكتب بين جعجع وجنبلاط مع كتابة بعض الإهداءات التي تحمل رسائل سياسية، لينتقل البحث في ما بعد إلى مجمل الأمور. يقول النائب هنري حلو لـ"المدن" إن اللقاء كان جيّد جداً إذ إتسم الحديث بالصراحة والشفافية في كل المواضيع المطروحة، وتمّ إستعراض كل الأحداث المحلية والإقليمية وقد طرح كل شخص موقفه وقراءته لما يجب فعله لتفادي الأخطار وكانت وجهات النظر متطابقة. ويؤكد حلو أن المواضيع التي بحثت تخطّت رئاسة الجمهورية، إذ حين تم الوصول إلى هذا البند شرح كلّ رجل وجهة نظره الواقعية للآخر، وأكد جعجع أنه منفتح على كلّ الحلول لكن قوى الثامن من آذار هي التي تعرقل. وقد أشارت مصادر "المدن" إلى إن الطرفين اتفقا على بعض النقاط كما اختلفا على البعض الآخر، لكنه حصل تأكيد على إستمرار التواصل، كما أكد جنبلاط على إستمرار دعم ترشيح حلو.
من جهته يؤكّد الوزير غازي العريضي لـ"المدن" أن اللقاء كان إيجابياً جداً، وتناول كل الأمور المطروحة على الساحتين المحلّية والدولية، وحول أهمية تعزيز عمل المؤسسات وإنهاء الشغور، لكن لم تبحث التفاصيل، كذلك كان إتفاق على ضرورة تجنيب لبنان أي أخطار خارجية. وعند سؤاله عما إذا تناول الحديث الموضوع الرئاسي، يقول العريضي: "بطبيعة الحال ولكن لم تبحث الأسماء، أكدنا على التمسك بترشيح حلو ولكن ليست الزيارة لتسويق هذا الترشيح في معراب، الزيارة كانت أوسع وأشمل من هذا الموضوع".
تشير مصادر "المدن" إلى أن الطرفين ما زالا على موقفهما من ناحية الإنتخابات الرئاسية، وجعجع شدد على تمسكه بالمبادرة التي اقترحها أي الانسحاب لصالح مرشح توافقي، ولكن بما أن عون غير مستعد للإنسحاب فإنه لن ينسحب، وتضيف المصادر أنهما اتفقا على وجوب إنتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن على أن يكون مرشّحاً توافقياً، وهنا فإن وجهات النظر كانت متطابقة بحيث تم إستعراض الوضع الإقليمي والدولي، ما يعني أن الإنتخابات الرئاسية مؤجلة إلى حين تبلور حلّ إقليمي يفرض الحلّ الداخلي، خصوصاً أن جنبلاط قال لجعجع إنه تبلغ بصراحة من مكونات 8 اذار أن القضية مرتبطة بالنائب ميشال عون بشكل مباشر وهذا ما يعني تأخير الإستحقاق.
أما أبرز نقاط الخلاف في هذا اللقاء، فكانت الموقف من حزب الله ومشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري وما يترافق ذلك مع الدعوات التي يوجهها جعجع للحزب يومياً للإنسحاب من سوريا، وهنا اعتبر جنبلاط أنه من غير المفيد تكرار دعوة حزب الله يوميا للانسحاب من سوريا لأنه موضوع استراتيجي كبير، في حين شدد جعجع على اهمية الاستمرار في محاولة توعية الحزب على مسؤوليته الوطنية اللبنانية لناحية تحصين لبنان من التداعيات واقناعه بالانسحاب إنطلاقاً من المبدأ الوطني لتجنيب لبنان الأخطار الناجمة عن هذا التدخل.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها