في خطوة مفاجئة لها دلالتها وأبعادها المحلّية والخارجية، زار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منطقة البقاع حيث التقى عدداً من كوادر الحزب والقادة العسكريين الميدانيين. تتخطّى أبعاد الزيارة إطارها المناطقي وتحمل رسائل للحزب ومناصريه كما للدول المحيطة، أتت الزيارة بعد تفجير عبوة بآلية للعدو الإسرائيلي في مرتفعات شبعا، وبعد ضربات قاسية تلقاها الحزب في المناطق البقاعية وتحديداً في بريتال إضافة إلى التراجع الذي يسجّله في قرى القلمون لحساب الجماعات المسلّحة هناك.
أكد نصرالله خلال اللقاء جهوزية المقاومة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي ضد الأراضي اللبنانية، وكما دائماً شدّد على أن النصر سيكون حليف المجاهدين في معركتهم ضد المجموعات التكفيرية والإرهابية مثلما كان حليفهم في مواجهة العدو الاسرائيلي. كانت الزيارة بحسب ما تتناقله قيادات الحزب جولة في أفق التطورات الأخيرة التي يشهدها لبنان والمنطقة، إذ جرى استعراض للتطورات في لبنان وسوريا والعراق، في ظل تمدد تنظيم الدولة الإسلامية وصولا الى مرحلة بناء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية وما حققته الغارات الجوية، سواء في العراق أو سوريا.
توقيت الزيارة والرسائل التي أراد نصرالله توجيهها كانت واضحة. هناك نوع من الإحباط والخوف الذي تسلّل إلى أهالي البقاع، فكان لابد من مبادرة ملموسة، تُعيد بناء معنويات المقاتلين والجمهور. هكذا، وبأجندة واضحة، زار نصرالله البقاع. قياديو الحزب هناك لا ينكرون أهمية الخطوة في مرحلة بالغة الحساسية، تتطلّب كل أنواع التعبئة، فكيف إن أتت من الأمين العام نفسه.
بالتأكيد تتخطّى الزيارة ما قاله نصرالله للمقاومين، فهم تعرّضوا كما جمهور المقاومة وبيئة حزب الله الحاضنة إلى نكسات معنوية كبرى، فالجبهة على الحدود الشرقية غير متماسكة، فكانت الزيارة إستجابة لحاجة المقاتلين إلى دعم معنوي لا سيما بعد الإخفاقات التي حصلت في المعارك الأخيرة، تحديداً في بريتال والقلمون. أيضاً يندرج الفشل في عرسال ضمن أولويات الزيارة، إذ يعتبر الحزب وفق ما تشير مصادر مقرّبة منه أن مكمن الفشل في عرسال هو عدم الحسم العسكري وإستمرار وجود المسلّحين في محيط البلدة، وسيطرتهم على جرودها، وما ينسحب من جراء ذلك على فشل كل المفاوضات حول تحرير العسكريين، وهذا ما يشكّل عنصر ضغط على الحزب. خصوصاً أن هذه الضربات حصلت بعد دخول حزب الله إلى القتال في سوريا من أجل الدفاع عن لبنان وعن الأراضي اللبنانية وخصوصاً الحدودية، وبعد إعلانه الإنتصار في القلمون، لتعود الجبهات وتشتعل وتصبح الإشتباكات داخل الأراضي اللبنانية.
يؤكد مصدر مقرّب من حزب الله لـ"المدن" أن الزيارة هي لرفع المعنويات، والتحضير إلى المعارك القادمة، لأن الحزب يتوقع المزيد من العمليات التي ستتمدّد. ولا يخفي المصدر أن الحزب يتخوّف من أن تتوسع التطورات الأمنية إلى أكثر من منطقة لأن هناك معطيات موضوعية تشي بذلك.
لا ينفصل موقف الحزب ونشاطه عن التطورات الإقليمية، فهو أصبح جزءاً من هذه التطورات بفعل تدخله في سوريا. وعليه، فالمؤشرات تدلّ إلى أن الوضع قادم على مرحلة تحتاج إلى التشدّد، وبالتالي ستعكس تشدد حزب الله في لبنان وسوريا، لا سيما مع الجدل التركي الأميركي حول إمكانية تدخل تركيا في الشمال السوري، هذا ما يستدعي تشدداً إيرانياً وبالتالي تشدداً من قبل حزب الله، للإستفادة وتعزيز الأوراق الإيرانية في المنطقة، مع لحظ التلاقي الأميركي الإيراني حول الموقف من سوريا، بعد الرفض الأميركي للشروط التركية. لذلك فإن إيران تتجه إلى التمسك أكثر بمواقعها في سوريا لكسب المزيد من النقاط، وفي هذا السياق تأتي زيارة نصرالله إلى البقاع تأكيداً على شحذ الهمم وعلى أن المعركة في سوريا مستمرّة، وربما بشراسة أكثر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها