ترفع الأحداث الأمنية المتلاحقة حظوظ العسكر السياسية. كشف الشبكات الإرهابية وخلاياها، كما يرى البعض، يصبّ في صالح قائد الجيش جان قهوجي في تعبيد طريق القصر الجمهوري، لكن المعروف والثابت في لبنان أن أي عسكري لن يصبح رئيساً إلى بعد عمل أمني معيّن.
تقرأ مصادر بارزة في وضع المخيمات الفلسطينية والإنفلات الأمني فيها، ترجّح قيام عملية وقائية لتحصين الأمن والإستقرار، كذلك ما يجري في سجن رومية يفرض نفسه في واجهة الأحداث التي تحتاج إلى حلّ أمني، هنا تعتبر المصادر أن "الجيش قد ينهي حالة الشواذ داخل السجن بعد ان يتسلّم زمام المبادرة من قوى الأمن الداخلي، لتقترب لحظة رئاسة قهوجي، لكن هذا امامه عقبات في السياسة".
وفق معلومات "المدن"، يتناقل سفراء الدول الأجنبية الذين يسعون إلى إنتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن في إطار الحرص على بقاء الإستقرار في لبنان، أن تجربة انتقال قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية لم تثبت نجاحها أي مرة، لا يحبّذون ذلك. مسيحيّو قوى الرابع عشر من آذار يلتقون مع هذا الرأي، في حساباتهم أنه على الرغم من كل المواقف الإيجابية لميشال سليمان، فهو لم يرسِ الأمن والأمان، بل نحن دعمناه ووقفنا خلفه لموقفه السياسي، وهذا يستطيع القيام به أي شخص سياسي، "فلا داعي للمجيء بعسكري جديد ليحكمنا".
يقول سياسي مسيحي لـ"المدن" إن "مشكلة قائد الجيش الحالي هي مع النائب ميشال عون وهي مشكلة استراتيجية وشخصية، نحن نتجنّب الدخول في هذا الموضوع، ندعهم يتصارعون في ما بينهم ويحرقون بعضهم البعض". لكن، وبحسب السياسي، هذه المعادلة سقطت لأنه حين يصبح قائد الجيش رئيساً لا يعود لديه مونة على الجيش، وبذلك لا يرسي الأمن بل عليه فقط القيام بواجباته في منصبه.
بالنسبة للنائب وليد جنبلاط، فهو يعمل من خلال مشاوراته وسفراته الأخيرة، لفتح كوة في جدار الأزمة الرئاسية. يصرّ على التوافق لتجنيب لبنان أزمة أمنية، مرتاح للتعاون بين الأجهزة الأمنية، لكن الوضع مقلق تماماً، لذلك يسعى لملء الشغور في أسرع وقت ممكن، ما يزال على موقفه الرافض لوصول عسكري إلى بعبدا، شعاره الأساس في الطائفة المارونية هناك الكثير من الأكفاء والذين يستحقون تبوء منصب الرئاسة. العسكر لا يفيد ويزيد من حنق طائفة على أخرى، فئة كبيرة من اللبنانيين تشعر بالغبن من هكذا امر إذا ما حصل، لذلك لا تكون التسوية ناجعة ولا مفيدة. تصل إلى مسامع جنبلاط مواقف مسؤولي تيّار المستقبل الذين يطرحون اسم قائد الجيش، ويسوّقون له ويعتبرون أن لا مجال للإتيان بغيره، هذا ما تقتضيه الظروف.
لا شكّ أن موقف المستقبل من قائد الجيش لم يعد نفسه الذي كان قبل فترة، حيث كان يرفض حتّى الخوض في النقاش في مسألة ترشيحه. تشير مصادر بارزة في تيار المستقبل لـ"المدن" إلى أن موقفهم من قهوجي ليس سيئاً، التيار يعتبر أنه كان يقوم بواجباته بشكل جيّد. لا ترى مصادر المستقبل أي حديث عن ضربة لأحد المخيمات واردة أو منطقية، لكنها تعتبر أن الظروف التي ستأتي به هي التوافق عليه، "هو مقبول لدى الأميركيين والدول العربية المؤثرة". في المقابل، تستبعد أن يكون حزب الله موافقاً على انتخاب قهوجي، ترفض اعتباره أنه مرشّح الحزب الأول، مضيفة: "حزب الله لن يسمح بإنتخاب أحد، وكل الإستحقاقات معلّقة على حبال إنتظار الوضع الإقليمي والحرب الدائرة في سورية والعراق، الإستنزاف الآن هو سيد كل الإستحقاقات لبنانياً وعربياً، ولن تحصل الإنتخابات الرئاسية إلّا بعد حسم إقليمي ودولي".
الإنتخابات الرئاسية في لبنان كالبورصة، ترتفع أسهم شخص في مرحلة لتعود وتنخفض، لترتفع أسهم شخص آخر. بالنسبة للعسكر، يمتدّ الصراع السياسي معه إلى زمن مضى، تحديداً خلال الحرب الأهلية حين كان الجيش يتلقى دعماً خفياً من أجهزة إستخباراتية لتنفيذ مخططات ما، هذه المشكلة تستمرّ إلى اليوم مع بعض السياسيين الذين يرفضون المظاهر العسكرية بكلّ مقوماتها، استخباراتياً، وتسلحياً، ويبقى الرفض الأساس لتكريس ثقافة القمع والخوف، فالعسكر وجد لحفظ الأمن وليس للتعاطي في السياسة.