السبت 2013/03/02

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

العلمانيون أرثوذكسياً

السبت 2013/03/02
increase حجم الخط decrease
 
لاقى مشروع قانون الانتخابات الذي طرحه اللقاء الارثوذكسي وتبنته اللجان المشتركة في مجلس النواب استنكاراً شديداً من قبل العلمانيين و دعاة دولة المواطنة، إذ رأوا فيه تكريساً للطائفية السياسية. وبحسبهم، فإن القانون الذي ينص على أن كل مذهب ينتخب ممثليه في البرلمان، يفتت الدولة ويحوّلها إلى دويلات طائفية تتصارع على مصالح فئوية لا تخدم المواطن. الطرح البديل الذي يقدمه العلمانيون هو قانون النسبية على أساس الدائرة الواحدة لأنه يضمن تمثيل جميع الأطراف السياسية، لا سيما اللاطائفية منها. والأهم أنه يمهد لخرق المنظومة المذهبية، وإن كان بالحدود الدنيا، لقيام لبنان يحرص فيه مواطنوه على مصلحة الدولة.  
 
غير أن العلمانيين لم يتوقفوا ليسألوا أنفسهم: كيف يرى اللبناني مصلحته؟ 
هدف التمثيل السياسي للشعب في المجالس التشريعية هو إعطاء الناخب حق إختيار من يراه يخدم مصلحته بالشكل الأفضل ومحاسبته عبر إعادة إنتخابه أو استبداله. فالديموقراطية تعكس قناعة المواطنين في من يرتأونه الأفضل لتمثيلهم. لكن قناعة الناخب هذه، حتى في أعرق الديموقراطيات، تتشكل وفقاً لاعتبارات تتعدى المصلحة العامة وأحياناً الفردية. فالناخب قد يُغَلّب مرشحاً على آخر بناء على مواصفات لا تمت بصلة ببرنامجه الإنتخابي، كلون بشرته أو إثنيته... أو طائفته.
 
ففي الولايات المتحدة مثلاً، إختار الأميركيون في العام 2000 جورج بوش رئيساً لهم وفضلوه على آل غور الذي كان قد شغل منصب نائب الرئيس لمدة ثمانية أعوام. خيارهم جاء رغم ضحالة خبرة بوش السياسية وغياب رؤيته الإقتصادية، ناهيك عن "تبلكمه" المتواصل. ولم يأخذ الأميركيون بعين الإعتبار أنه ومع نهاية ولاية كلينتون كانت الولايات المتحدة تنعم برخاء اقتصادي وبفائض في الموازنة. وبرغم أن آل غور كان سيمثل إمتداداً لسياسة كلينتون التي نجحت في تخفيض الدين العام، آثروا إختيار مرشح يحاكيهم ومحافظ في القضايا الإجتماعية. دخل بوش البيت الأبيض فأدخل الولايات المتحدة في حربين كلفتا الخزانة الأميركية ثلاثة تريليونات دولار، وتبنى سياسات اقتصادية افضت إلى كارثة مالية عالمية لتتنتهي ولايته الثانية والدين الأميركي قد شارف الأحد عشر تريليون دولار. هذا ما نجم عنه خيارهم الديموقراطي!  
 
إذن فالناخب لا يدلي بصوته فقط بناء على المصلحة العامة ومصلحته. في لبنان، أي قانون جديد للإنتخابات يجب أن يلحظ الإعتبارات التي يأخذها اللبناني في إختيار ممثليه. وبما أن هوية المرشح الطائفية هي الإعتبار الأول الذي يدلي على أساسه الناخب بصوته، وبما أنه يرى في مصلحته مصلحة مكونه الطائفي، فإن القانون الارثوذكسي هو القانون الأكثر عدلاً. فهو يحرم الطوائف فرصة التلاعب بخيارات بعضها بعضاً ويجسد السبيل الأمثل للتعبير عن توجهات الناخب السياسية. بل وأكثر من ذلك، فإن "عصرية" القانون الأرثوذكسي تكمن في أنه يسمح بتمثيل جميع التيارات السياسية داخل الطائفة الواحدة في البرلمان (وفي ظل هذا القانون يمكن الأرمن أن يطبعوا لوائحهم باللغة الأرمنية).
 
فالشيعة على سبيل المثال، لا يأخذون الظروف الإقتصادية الصعبة، التي يعيشون في ظلها، قيد الحسبان في الانتخابات ولا يرونها مرتبطة بخيارهم الانتخابي. فبالرغم من كل مشاكله المتراكمة منذ عقود يعود الناخب الشيعي إلى صندوق الإقتراع ليدلي بصوته لصالح مرشحي حركة أمل وحزب الله كل أربعة أعوام. هو  يبحث عن ممثلين في البرلمان يعكسون هويته الشيعية ويحافظون على وجوده في وجه "تهديد" الطوائف الأخرى. وهذا "حقه المشروع". 
 
كذلك الأمر بالنسبة لأهل عكار السنة. فسكان هذه المحافظة المهمشة لا يتوانون عن إختيار مرشحي تيار المستقبل، رغم أن الرئيس الراحل رفيق الحريري ومثله إبنه سعد فشلا تماماً في تحسين ظروف العيش فيها. وعوضاً عن البحث عن ممثل يخدم مصالحهم الحياتية، يبرر العكاريون فشل الحريري من خلال القول إن الوصاية السوري لم تتح له فرصة تنمية هذه المنطقة.  
 
أما الموارنة فهم منقسمون على الطائفة التي ينبغي التحالف معها. فالجعجعي يرى في الحريري الإبن حليفاً مسالماً حداثياً لا يهدد الوجود المسيحي، في حين يعتبر العوني أن التحالف مع السلاح يشكل ضمانة له. وهكذا تصبح التحالفات السياسية القائمة حالياً، 8 و14 آذار على حدٍ سواء، بالنسبة للناخب إمتداداً لطائفته، وغير مرتبطة ببرنامج سياسي محدد. فالشيعي ينتخب العوني لأنه سندٌ لممثل طائفته، حزب الله، تماماً كما يرى المسيحي القواتي في الحريري داعماً لقضيته. 
 
والحال، فعلى العلمانيين، أي أولئك الذين لا يحددون هويتهم السياسية بطائفتهم بل برؤية اقتصادية أو إجتماعية أو قومية، المطالبة بطائفتهم، الطائفة العلمانية. كفى إدعاء بأن الأحزاب العلمانية، من السوري القومي الإجتماعي إلى الشيوعي، تشكل حالة سياسية واسعة النطاق في البلاد. يجب الإقرار بأنها أقلية لا تعدو أكثر من كونها، في أحسن الأحوال، أصواتاً إضافية ترجح كفة طائفة على الأخرى. حان الوقت لأن يكون لهم، شأنهم شأن اللبنانيين الآخرين، صوت يسمح لهم باختيار ممثليهم في بلد لا ينهشه زعماء الطوائف فحسب بل شعب طائفي برمته. عليهم إستغلال هذا القانون لتأمين مصلحتهم التي همشها النظام الرعوي، وهذا الأمر لن يتم إلا من خلال إعتراف الطوائف الأخرى بطائفتهم. ولينتبهوا إلى أنه ولو تم إقرار قانون النسبية الذي يطالبون به فإن "الزعماء" الذين سيدخلون البرلمان هم أحمد الأسير وميشال معوض ووئام وهاب وجبران باسيل... وليس بالضرورة خالد حدادة طبعاً.  
 
increase حجم الخط decrease