الأربعاء 2013/10/16

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

مراجعة يساري مُنحرف

الأربعاء 2013/10/16
مراجعة يساري مُنحرف
هل نحن حقاً... ثوار يساريين؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
كنّا مجموعة من اليساريين على درج الـ"دومتكس" في شارع الحمرا، نستمع إلى مسرحيّة "نزل السرور" لزياد الرحباني يتهادى من راديو أحد الرفاق، حين قصّ علينا أحدهم أنّ إسرائيل وصلت الى المرتبة الرابعة عالمياً في مجال الطبابة. زياد الرحباني مثله مثل مارسيل خليفة وأحمد قعبور، كانوا يشكّلون إشباعاً لعطشنا الثوري ورغبتنا العميقة في التغيير وتحقيق العدالة الإجتماعية وتحرير الأرض.
 
ولكن ماذا قدّمنا للشعب والثورة؟
 
عندما اعتدت إسرائيل على قطاع غزة اكتفينا بترداد أغنية "شوارع القدس العتيقة" لفيروز، وفي حرب تموز ٢٠٠٦ ردّدنا كأحزاب يسارية أغنية "غابت شمس الحق" لجوليا بطرس، تاركين كل العمل المقاوم للأحزاب اليمينيّة التي أصبحت فيما بعد الممسكة بمصير الوطن. لاحقاً رددنا نشيد "نصرك هزّ الدني" الذي أنتجه حزب الله. أضحينا تابعين للإسلام السياسي.
 
إسرائيل، عدوّنا الأول كانت تتقدّم، بينما رحنا كشعب وأمّة نتخبّط في مستنقعاتنا الطائفية ومشاكلنا التافهة. نتخبط في أوهامنا. بحثنا عن نصر، نصر مزيّف نبرّر فيه وجودنا، إختراق موقع إسرائيلي على شبكة الإنترنت أو تحرير أسير، نسينا أن شبكة الإنترنت وحواسيبنا تقدّمها لنا أميركا، نسينا أن أميركا في عقر دارنا وأننا شعب مستعمَرٌ بثقافتها، مجرّد سوق لمنتجاتها، نرتدي ثيابها، نرتاد مطاعمها، نتحدّث لغتها وحساباتنا المصرفيّة بالدولار.
 
كنّا نرتدي الكوفية الفلسطينية، نطيل شعرنا ونرخي لحانا تشبّهاً بتشي غيفارا وفيدال كاسترو، صورهما كانت معلّقة على جدران غرفنا، نظّمنا الحملات على مواقع التواصل الإجتماعي والمحاضرات في الحانات، نسينا أن النضال في مكان آخر كليّاً وأن من يصنع التاريخ بعيد عنّا كل البعد، لا ينظر إلينا ولو بطرف العين.
 
في أيار ٢٠٠٨ وكل ما حدث لاحقاً، الأحداث كانت تدور من حولنا، من دون أن يكون لنا أيّ تأثير على مجراها، فرِحنا لسقوط كبار الرأسماليين، فجاء صغارهم وكانوا أشدّ جشعاً، الجميع كان يعمل لمصلحته ونحن عالقون في أيديولوجياتنا المهترئة، ندور خلف شعاراتنا القديمة: العلمانية، الديمقراطية، الحرية، العدالة الإجتماعية وغيرها. شعارات كتبناها على الجدران، على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي ونزلنا في المظاهرات من دون أن يكون لدينا برنامج عمل أو خطّة للخروج بحلّ أو رؤية. كانت شعاراتنا في مكان والشعب في مكانٍ آخر.
 
عندما بدأت ثورات الربيع العربي كنّا أعجز من أن نتّخذ موقفاً داعماً على الأقل للحرية التي ننادي بها، أعجز من أن نبدع شعاراً يدين المجازر بحق شعب شقيق. اتّخذنا الطريق الأقصر والأسهل، نقول عكس ما تقول أميركا وإسرائيل ونغمض أعيننا على كل ما يحيط بنا من قمعٍ للإنسان.
 
إكتفينا بقراءة الصحف ومشاهدة القنوات الممانعة، رحنا نردّد ما ينقلونه لنا عن جبهة النصرة والسلفيين وإصلاحات بشار الأسد والدعم الخليجي للمسلحين الإرهابيين، عن المؤامرة، صدّقنا وكانت جزءاً من الحقيقة، لكننا تعامينا عن كل المجازر والإجرام والقتل، عن هتافات ثوارٍ قُتلوا من أجل الحرّية.
 
عندما سقط الرئيس المصري محمد مرسي على إثر الثورة المصريّة الثانية، وزّعنا المشروبات مجاناً في الحانات، هلّلنا للشعب المصري. كنّا ننظّر، ننظّر على جميع العرب، على المصريين والسوريين وغيرهم، نسينا أو تناسينا أننا نحن هنا، في لبنان، أحوج الناس إلى الثورة والتغيير. 
 
في حاناتنا واجتماعاتنا توجّهنا إلى من توهّمنا أنّهم نخبة المجتمع أو هكذا صوّروا أنفسهم من مثقّفين ومفكّرين، لم ننتبه إلى أبسط دروس الربيع العربي التي هي أصلاً من صلب عقيدتنا وهي أن الثّورة يصنعها الفقراء في الضواحي والفلاحون في الأرياف. تركنا أبناء الطبقة العاملة لحزب الله، لتيار المستقبل، للتيار الوطني الحر وغيرهم من الأحزاب اليمينيّة يلعبون بهم وبمصائرهم كيفما شاؤوا.
 
حتى أغاني مارسيل خليفة، زياد الرحباني وأحمد قعبور عجزت عن أن توقظ فينا ذلك الحسّ الثوري تجاه الشعوب المنتفضة ضد الظلم والاستعباد، أن توقظ فينا الشعور الثوري تجاه ظلم نعاني منه نحن بالدرجة الأولى، أغاني اقتصر دورها على إشعال الحنين لأيام النضال. من استيقظ منّا، خنق صوته شارع الحمرا، عجز عن إيصاله لأبعد من الشارع المجاور. والآن على درج الـ"دومتكس"، في الحانات، ننظر في عيون بعضنا، نخجل من السؤال، هل نحن حقاً... ثوار يساريون؟
 
increase حجم الخط decrease