السبت 2015/02/21

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

نظام السيسي بين الفاشية وإسقاط الدولة

increase حجم الخط decrease
في الرابع من شباط/فبراير، أصدر القاضي ناجي شحاتة حكماً بالسجن المؤبد على 229 متهماً، وغرامة 17 مليون جنيه مصري، وذلك في القضية المعروفة إعلامياً بـ"قضية مجلس الوزراء". الناشط السياسي أحمد دومة كان أحد المتهمين في تلك القضية، وقد عبر عن سخريته من الحكم بالتصفيق للقاضي فور النطق بالحكم. حذره القاضي بأن هذا السلوك يمثل استهانة بالقضاء، وأنه قد يعرضه لعقوبة أخرى، ونهره قائلاً: "إحنا هنا في قاعة المحكمة مش في ميدان التحرير". عبّر القاضي شحاتة في تلك العبارة البسيطة عن تصور نظام السيسي عن نفسه، فقد صوّر النظام الفكرة المؤسسة لوجوده، على إنها استعادة الهيبة للدولة، في مقابل فوضى "العيال بتوع التحرير". عبّر عن ذلك في المقابلة بين قاعة محكمة تمثل الدولة وميدان تحرير ممثلاً للثورة. غير أن واقع النظام وتناقضاته تكشف لنا أن ذلك النظام هو الخطر الحقيقي على الدولة وهيبتها وشرعية حكمها.

إن أردنا أن نكشف أكثر عن تناقضات خطاب النظام يجب أن نعود إلى نظرية العقد الإجتماعي المؤسسة لشرعية حكم دولة الحداثة. ظهر العقد الاجتماعي في عصر التنوير في أوربا، كفكرة بمقتضاها تنتظم العلاقة بين المجتمع والدولة الحديثة، وبموجبها يتخلى الأفراد عن جزء من حريتهم للدولة مقابل أن تقوم الدولة بدور محايد في تنظيم العلاقات البينية داخل المجتمع وتوفير الحماية لأفراده. إبرام ذلك التعاقد كان النقطة التاريخية الفاصلة بين حالة ما قبل الدولة وقيام الدولة، وهي نقطة تاريخية مُتخيلة بطبيعة الحال. ومنذ نشأة الدولة حتى الآن تتوارث الحكومات دورها وتتوارث المجتمعات دورها، ويلتزم المجتمع بحدود دوره طالما ظلت الدولة ملتزمة القيام بدورها. ولأن العقد الاجتماعي هو اتفاق مبرم بين طرفين؛ المجتمع والدولة، فهو يفترض تبلور الحدود الفاصلة بينهما. المعضلة الهيكلية الراسخة في الدولة المصرية الحديثة هي عدم تبلور تلك الحدود الفاصلة بين الدولة والمجتمع، وهو ما يعيق إنجاز مشروع تحديث الدولة المصرية. تلك المعضلة التي ترجع أصولها لمشروع تحديث مصر الذي سعى لإنجازه محمد علي باشا. غير أن هناك معضلة أخرى أكثر معاصرة من معضلة النشأة، وهي متعلقة بخطاب نظام السيسي وسياسته التي يخاطب بها المجتمع، والذي يعمق من التناقضات بين الدولة المصرية وبين مشروع الحداثة.

بالنظر إلى خطاب السيسي منذ بداية تصدره المشهد "انتوا مش عارفين إن انتوا نور عنينا ولا إيه؟"، تتضح لنا ملامح النظام الناشئ وملامح القاعدة الاجتماعية التي يخاطبها. ونستطيع أن نرى ذلك بشكل أوضح إن قابلنا بين نظام السيسي ونظام مبارك، خاصة في العقد الأخير منه مع صعود طبقة رجال الأعمال النيوليبرالية التي تصدرها أحمد عز وجمال مبارك. فبينما كان يتحدث أحمد عز وجمال مبارك والحرس الجديد بلغة الاقتصاد والمؤشرات بلغة موجّهة لشريحة معينة في المجتمع، وهي شريحة شباب رجال الأعمال الحاصلين على شهادات عليا في إدارة الأعمال، يتحدث السيسي لغة الانتماء والمشاعر موجّهة لعامة الشعب. سعى جمال مبارك ومعه الحرس الجديد لاستخدام شباب رجال الأعمال والطامحين في الترقي الاجتماعي، كوسيط بين نظامه وبين باقي الشعب، بينما يسعى السيسي للتواصل المباشر مع جمهور الشعب، متوجهاً لرجال الأعمال بخطاب نفعي تجلى في حملات التبرع التي أطلقها نظامه. هكذا تتأسس الفاشية بخطاب شعبوي يجيّش مشاعر عامة الشعب بهدف حصر الحركة في المجال العام على تأييد النظام الذي يحتكر التعبير عن الوطن في غياب ممارسة حقيقية للسياسة التي هي جدل واختلاف، فالاختلاف مع النظام يصير خيانة للوطن الذي يعيش حالة حرب. فالفاشية دائماً في حالة حرب مع عدو للوطن، والوطن هنا ليس بمفهومه المادي كموقع من الزمان والمكان ومؤسسات، بل كمعنى وانتماء غير ملموس. غير أن مثل تلك الإرهاصات الفاشية لا يمكن أن يُكتب لها النجاح، فذلك التداخل بين الدولة والمجتمع ينتج حالة من توازن الضعف بينهما، لا تمكّن الدولة من إنجاز مشروع حتى لو كان فاشياً، وبالتالي تكون النتيجة الطبيعية لتلك الإرهاصات الفاشية إسقاط العقد الاجتماعي أي إسقاط الدولة من داخلها.

لا يجب أن نفرط في التفاؤل بسقوط نظام السيسي. صحيح أن الامتداد المنطقي لممارسات نظام السيسي يؤدي إلى إسقاط الدولة ككيان وكمعنى حتى وإن احتفظ بها كهيكل فارغ من المحتوى، غير أنه طالما لم يتوافر البديل الاجتماعي السياسي الثوري له، فقد يستمر نظام السيسي، مع اختلاف الأسماء، في الحكم كسلطة ليس له من الدولة سوى الشكل الخارجي لها. والحديث عن البديل الثوري ليس سوى سؤال أساسي يُطرح في هذا السياق؛ هل يجب أن يمر مسار التغيير الثوري بدولة الحداثة أم لا؟ لا أتصور أن هناك إجابة جاهزة على هذا السؤال لكن حسم الإجابة عليه أمر تأسيسي في حسم مسار واتجاه حركة التغيير الثوري. هل معارك النضال التي لها الأولوية تقع في إطار دولة الحداثة بهدف إنجاز تلك المحطة أم أن مشروع تحديث الدولة المصرية قضية خاسرة يستطيع أن يلتف مسار التغيير حولها وحول التاريخ؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب