الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني إلى لبنان، حرص عباس عراقجي على تقديمها بأنها للتوقيع على كتابه "فن التفاوض". وأطنب الوزير والخدمات الروسية في وكالات الأنباء الإيرانية في الحديث عن دخول الوزير إلى لبنان هذه المرة من بوابته الرسمية، وليس من بوابة حزب الله. ويرى البعض أن الزيارة التي تلت زيارة مصر، والكلام عن فتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان، ليس سوى رسالة علنية إلى واشنطن عن محاولة إيران تنفيذ أحد مطالبها من إيران بوقف محاولات توسيع نفوذها في المنطقة.
موقع rossaprimavera الروسي الدائر في فلك إعلام الكرملين، نقل في 4 الجاري عن تقرير لمعهد دراسة الحرب الأميركي ISW، قال فيه بأن من المرجح أن يكون عراقجي قد بحث مسألة الجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية للحؤول دون استعادة حزب الله قدراته السابقة.
أشار تقرير المعهد إلى كلام وزير الخارجية اللبناني الموجه لضيفه الإيراني، والذي رفض فيه المساعدات للبنان التي تحدث عنها الإيراني، أن تكون عبر أي طرف آخر سوى الحكومة اللبنانية. ورجح التقرير أن يكون الوزير رجي يقصد بكلامه الإشارة إلى الجهود الإيرانية الأخيرة لدعم إعادة بناء حزب الله مالياً، في الوقت الذي تحاول فيه الدولة اللبنانية والقوات المسلحة الحد من قدرة حزب الله على العمل في جميع أنحاء لبنان.
من كان ليصدق أن وزير خارجية إيران كان قبل الإطاحة بالأسد وانهيار القدرات العسكرية لحزب الله ليدخل لبنان عبر البوابة الرسمية. ومن كان ليصدق أن الخارجية اللبنانية كانت لتستدعي منذ مدة السفير الإيراني للاحتجاج على كلام لعباس عراقجي نفسه، اعتبره لبنان الرسمي تعدياً على السيادة اللبنانية. عباس عراقجي الذي غلف زيارته للبنان بستار التوقيع على كتابه "فن اتفاوض"، لم يكن بحاجة لهذه الغلالة سابقاً ليدخل لبنان من بوابة حزب الله. لكن التطورات التي عصفت بالمنطقة في الفترة الأخيرة تحت قعقعة السلاح الأميركي، اضطرته ليوقع "فن "التفاوض" في بيروت تحت وطأة "الفنون العسكرية الأميركية" التي سطرت قرار جلبه إلى قاعة المفاوضات مكبلاً بشروط ترامب- رهينة أهوائه.
أما بالنسبة للمفاوضات نفسها، فيبدو أن مسلسلها سيتواصل حتى موعد انتهاء مفاعيل قرار مجلس الأمن الدولي الذي أقر بإجماع الأعضاء، دعماً للصفقة النووية السابقة، ووضع جدولاً زمنياً لعمليات التفتيش الدولية للمواقع النووية الإيرانية. ويرى مراقبون أن الاجتماع الصاخب لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية في 9 الجاري لن يتمكن من قطع مسلسل المفاوضات هذا. وكان ممثلو الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة قد تقدموا في 5 الجاري من مجلس محافظي الوكالة الدولية بمشروع قرار يدين إيران لعدم كفاية تعاونها مع وكالة الطاقة النووية، ولخرقها اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي. وكان ممثلو روسيا والصين وإيران قد نسقوا مواقفهم من مشروع القرار هذا. وقبيل ساعات من انعقاد الاجتماع، توقع الممثل الروسي في مجلس محافظي الوكالة الدولية ميخائيل أوليانوف، أن يشهد الاجتماع نقاشات حامية، وأن لا يخرج بأي نتيجة. وفي حين كان الممثل الإيراني في الوكالة يهدد بتخفيض تعاون بلاده مع الوكالة، وحتى الانسحاب منها، كانت إيران في هذه الأثناء تعلن أنها ستنجز قريباً تصورها عن الصفقة النووية الجديدة، وتسلمه عبر عُمان للولايات المتحدة.
في سياق الحديث عن المفاوضات نفسها، التي لم يُعلن حتى الآن تاريخ ومكان عقد جولتها السادسة، اقترح الرئيس الروسي على نظيره الأميركي خلال الاتصال الهاتفي بينهما في 4 الجاري، أن تقوم روسيا بدور الوساطة في هذه المفاوضات. ونشرت صحيفة الأعمال الروسية الكبرى vedomosti في 6 الجاري نصاً تساءلت فيه عن إمكانية نجاح روسيا في كسر الجمود في محادثات الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران. ونقلت عن ترامب قوله إن مشاركة روسيا "قد تساعد في التعجيل بحل القضية".
استهلت الصحيفة نصها بالنقل عن وكالة نوفوستي إشارتها إلى رفض خامنئي التخلي عن تخصيب اليورانيوم، وإعراب روسيا عن استعدادها لمساعدة إيران في التوصل إلى صفقة نووية جديدة. ونقلت عن الناطق باسم الكرملين دمتري بيسكوف تصريحه في 5 الجاري، بأن روسيا مستعدة للمشاركة في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، حسب الحاجة إلى ذلك. وتابع بيسكوف، أن موسكو تحافظ على علاقات شراكة وثيقة مع طهران، وسيستغل بوتين هذه الفرصة للمساهمة في حل هذه المشكلة.
ونقلت الصحيفة عن مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف تصريحه، أن واشنطن تعتبر أن مساعدة موسكو ضرورية لحل مسألة البرنامج النووي الإيراني، وأن ترامب "سيكون ممتنًا إذا استطاعت روسيا العمل بالطريقة المناسبة مع الجانب الإيراني".
نقلت الصحيفة عن المستشرق Vladimir Sajin قوله إن رغبة الولايات المتحدة في رؤية روسيا وسيطًا في المفاوضات مع إيران، ليست أكثر من مجرد لفتة سياسية. ورأى أن موسكو لا تتمتع بأي نفوذ حقيقي على طهران.
المتخصص بالشؤون الإيرانية في مركز دراسات الشرق الأوسط في مدرسة الاقتصاد العليا الروسية Ilya Vaskin رأى أنه من الناحية النظرية، قد توافق إيران على مشاركة روسيا في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. لكن روسيا لا يمكنها أن تحل مكان عُمان في دور الوساطة، إنما يمكنها أن تصبح موقع تخزين للوقود النووي الإيراني، ومراقبة امتثال إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق الجديد.
ويضيف Vaskin بالقول إن العقوبات الاقتصادية تبقى الأداة الرئيسية للضغوط الأميركية على طهران. ويدركون في طهران أنه إذا لم ترفع العقوبات، فإن هذا قد يؤدي مع مرور الوقت إلى إثارة احتجاجات مناهضة للحكومة أو حتى إلى ثورة.
الموقع الروسي الذي يغطي منطقة القفقاز vestikavkaza نشر في 19 الشهر المنصرم نصاً بعنوان " إيران- الولايات المتحدة: من المستفيد من إطالة فترة المفاوضات؟".
رأى الموقع أن المفاوضات هي لعبة دبلوماسية معقدة. فمن ناحية، يعلن الرئيس الإيراني أن حقوق إيران النووية يُحظر المس بها، ويرفض التخلي عن تخصيب اليورانيوم تحت التهديد بالعقوبات أو الضربات العسكرية. ومن ناحية أخرى، الرئيس الأميركي، وعلى الرغم من خطابه العدواني، يصف المفاوضات بأنها "مثمرة"، ويعبر عن ثقته بالتوصل قريباً إلى عقد الصفقة النووية الجديدة.
نقل الموقع عن وزير الخارجية الإيراني تصريحه بأن إيران وافقت على قيود مؤقتة على حجم تخصيب اليورانيوم ونسبته، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا التخلي عنه تمامًا. وهذا يسمح لإيران بالحفاظ على نفوذها مع إظهار "المرونة".
واعتبر الموقع أن اقتراح عراقجي إنشاء اتحاد دولي لتخصيب اليورانيوم بمشاركة الدول العربية والولايات المتحدة، هو خطوة تكتيكية أخرى. فهذه الخطوة تتيح لإيران إمكانية تقديم نفسها "مشاركاً مسؤولاً" في الحوار النووي، مع نقل جزء من مهمة التفتيش إلى شركاء خارجيين. لكن الموقع يشير إلى أن الخبراء يلفتون الانتباه إلى أنه يكاد يكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا المشروع، بسبب غياب العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة منذ عام 1980.
ورأى الموقع أن تهديد ترامب بأن "أمراً سيئاً سيحدث" أصبح جزءاً لا يتجزأ من دينامية المفاوضات. لكن إيران، وبدلاً من استخدام هذا التهديد لرفع مستوى التصعيد، تستخدمه لتعزيز الدعم الداخلي والتعاطف الدولي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها