المتحف المصري الكبير

شادي لويسالأربعاء 2025/11/05
Image-1762331888
أثارت احتفالية افتتاح المتحف المناوشات المملولة والمتكلسة حول الهوية (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

بعد عقدين ونيف من وضع حجر الأساس، وفترات ممتددة من التعثر حتى فقدان الأمل، يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه أخيراًتتكىء صفة "الكبيرالملصقة بكلمة المتحف على ركاكة اللغة الرسميةمع صفة الجِدة، في العاصمة الجديدة والجمهورية الجديدة، تشكل النعوت البسيطة معجم خطاب الدولة المحدود الخيال، حيث الضخامة واللمعان علامتا الإنجاز

 

احتفالية الافتتاح العالمية التي حضرتها عشرات من الوفود الرسمية، تحمل أيضاً دلالتها شديدة المحليةثمة مصالحة علنية مع ميراث مباركوضع الرئيس الراحل حجر الأساس في مطلع التسعينيات، واليوم عاد وزير الثقافة السابق فاروق حسني ليلقي كلمة في الحفليكمل السيسي ما بدأه مبارك، ويستمر كهنة الدولة في طقوس التسليم والتسلم شبه الأبدية، متجاوزين قطيعة يناير العابرة والمنسيةوأي مكان أصلح لتلك الطقوس غير المتحفلا يحضر الوزير الذي وضع المثقفين في الحظيرة وحده، بل وأيضاً رجال أعمال مبارك العائدون من السجون، أحمد عز وهشام طلعت مصطفى يجلسون أيضاً على منصة خاصة بهمآل ساويرس الذين تولت شركاتهم الحصة الكبيرة من أعمال الإنشاءات في المتحف وتدير شركة أخرى لهم منطقة الأهرام، يغيبون عن الحفل، وهم الراغبون في أخذ مسافة في العلن بعيداً بخطوة عن السلطة السياسة. 

 

على خلاف موكب المومياوات الملكية المتقن، أفسد حفل افتتاح المتحف ضوضاء على مستوى الرؤية والسمع، وكأن صنّاعه أرادوا أن يقولوا كل شيء في الوقت نفسهفي مشهد واحد مزدحم بالأصوات حد التخمة، يتداخل لحن قبطي مع أصوات الإنشاد الديني الإسلامي، وذلك على خلفية من الغناء الأوبراليباستثناء ذلك المشهد المشوش، تغيب موسيقى المصريين الغنية لصالح هوس بالفخامة الأوبراليةالرحلة الطويلة لتمصير آثارنا ومتاحفها، تلك التي سارت بالتوازي مع حراك الاستقلال، يشينها في الاحتفال اختيارات موسيقية تعاني من عقد النقص أمام الآخر الغربي

المتحف بوصفه صرحاً للوطنية وللفخر الجمعي بأسطورة الاستمرار، تثير احتفاليته المناوشات المملولة والمتكلسة حول الهوية، مضافاً إليها ثرثرة "الكيمتيةالفارغة المعنى، بينما تعيد فتاوى التحريم العتيقة نفسهاتزحزح الفرعونية المعقمة والمسالمة، هويات أخرى قد تكون أكثر إشكالية -إسلامية وعروبية وعالم ثالثية وإفريقيةعن مكانها في مصفوفة الانتماءات المصريةالقطيعة المحسوبة بألوف السنين مع حضارة المصريين القدماء، تجعل من الفرعونية تعويذة أو لوغو للاعتزاز الوطني لا انتماء له تبعات سياسية متجذرة في عالم الواقع

 

بعيداً عن اقتصاد الرموز، تخبرنا التوقعات الرسمية المتفائلة عن مساهمة المتحف في زيادة الليالي الفندقية وموارد الدولة السياحية من العملة الصعبة، عن موضع المتحف المركزي في المخطط الاستثماري لاستخلاص الدخل من التاريخ، أو عن كيف يتحول الأثر إلى مورد لا ينضب للربحاللافت هو أن الرئيس التنفيذي للمتحف متخصص في الاقتصاد وليس في علم المصريات كما جرت العادة في المتحف القديمعبر تسوير منطقة الإهرامات وربطها بممشى طويل بالمتحف، تعمل آليات الفرز والإقصاء في الصرح الأثري بمنطق الكومباوندرفاهية التمشية والنظر المتاحة في الداخل سلعة مكلفة لا يستطيع من في الجهة الأخرى من الأسوار تحمل كلفتها، وذلك في مدينة تتضاءل فيها متعة التنقل على الأقدام يوماً بعد آخر

لكن المتحف في النهاية ليس مجرد مشروع عقاري أو مولاً لعرض المقتنيات التاريخية أمام نهم الاستهلاك السياحي، ولا هو مصنع لإنتاج الزهو الوطني بشكل آلي، هناك خلف بهرجة الاستعراضات وحسابات الربح والتكاليف، مختبرات ومرافق بحثية وإمكانيات للعرض وكوادر مؤهلة في علم المصريات. وقد يصبح المتحف بفضل هذا كله، مساحة لطرح الأسئلة ولإنتاج المعرفة النقدية بشأن الماضي، وفرصة لعموم المصريين أن يتعرفوا على تاريخهم القديم، الذي لا يعرفون عنه سوى القليل

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث