الحرب الإسرائيلية المقبلة على لبنان حتمية؟

بسام مقدادالثلاثاء 2025/11/04
Image-1762202966
الأهم أن يخرج لبنان نهائياً من عالم "اتفاقية القاهرة" المشؤومة (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

ثمة من يشكك بعد في لبنان بحتمية الحرب الإسرائيلية على لبنان بسبب امتناع حزب الله عن تسليم سلاحه؛ بل والعمل على استعادة ما فُقد منه، ولوجزئياً. والملفت أن الدولة اللبنانية وحزب الله، وكل منهما تبعاً لأسبابه، يساهم في تقديم الذرائع لإسرائيل لتسريع حربها. فالسلطة اللبنانية الراهنة، وليدة التغيرات التي عصفت بالمنطقة، خصوصاً بعد "حرب الإسناد"، تبدو كأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تبقي خارج هذه التغيرات. هي تجد نفسها مكبلة اليدين، وأسيرة تعنت حزب الله. 

 

ومع أن الأميركيين والإسرائيليين يعرفون جيداً وضع السلطة اللبنانية، وللأميركيين الحصة الوازنة في وصولها إلى الحكم، يتهمونها بالتخاذل في تنفيذ قراراتها بتجريد حزب الله من سلاحه. ويتمادى الأميركيون في الضغط على هذه السلطة، إلى درجة اعتبار لبنان "دولة فاشلة" يجهدون "لإقناعها" بالمفاوضات مع إسرائيل، في زمن لم تعد دبلوماسية الإقناع واردة في القاموس الأميركي في الشرق الأوسط. كما يتهمونها بإضاعة الفرصة الأخيرة التي كانت متاحة لها لكسب الدعم الأميركي في توجهها لحصر السلاح بيدها.

ويبدو أن الضغوط الأميركية قد أثمرت، ودفعت الدولة لاقتناص "الفرصة الأخيرة" هذه؛ إذ أعلن رئيس الجمهورية الاثنين في 3 الجاري، أن لا سبيل للخروج من المأزق سوى التفاوض مع إسرائيل. ويصبح تفصيلاً لا أهمية له سواء كان التفاوض مباشراً أم غير مباشر، فالأهم أن يخرج لبنان نهائياً من عالم "اتفاقية القاهرة" المشؤومة، وكل قيَمها التي محتها التطورات، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين. 

 

لكن خروج الدولة المفترض من المأزق، قد لا يسهل مهمة حزب الله في الخروج من مأزقه الوجودي؛ بل وقد يزيدها تعقيداً. فقد خلقت إيران الحزب للسلاح الذي تقوم وظيفته الأساسية في إفراغ الدولة الوطنية من داخلها، وجعل مؤسساتها هياكل فارغة، لا أن تصبح فجأة قادرة على اتخاذ قرار مفصلي بالتفاوض مع إسرائيل. وسبب أزمة حزب الله الوجودية، ليس تهديد إسرائيل في مشاركة الدولة اللبنانية في تجريده من سلاحه؛ بل في إثبات وجود دولة لبنانية متحررة من السيطرة الإيرانية وهيمنة سلاح حزب الله. فالأذرع الإيرانية في المنطقة قد خُلقت مزودة بأيديولوجية تقديس الموت، وزودتها طهران بالسلاح لا لتدافع عن نفسها؛ بل لتموت قبل أن تسترد الدول الوطنية أنفاسها وتعود للحياة من جديد. فالحزب يسمع كالآخرين الإنذارات الإسرائيلية بالحرب عليه، بسبب سعيه لاسترداد قوته، ومع ذلك يجاهر ويفاخر باستعادة صواريخه وطائراته المسيرة، كأنه يحث إسرائيل على تجديد الحرب على الدولة اللبنانية. 

قد يبدو الأمر انتحاراً للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة هو وفاء للمهمة الرئيسة التي خلق الحزب من أجلها: توريط دول مرابطة الأذرع الإيرانية في حروب مع إسرائيل، في ظل اختلال فاضح في ميزان القوى. وإن لم تتوفر الذريعة للحرب، فلا مشكلة في خلقها والاجتهاد في استعراضها، كما يقوم حزب الله الآن في التباهي بعودة سلاحه واستعداده من جديد لمحاربة "النظام الصهيوني". 

ومن المهم أن نستعيد ذاكرة مرحلة تأسيس حزب الله، حيث توزعت مهماته الأولى بين تفجير قوات الفصل الغربية، وتصفية المقاومة الوطنية اللبنانية وأبرز وجوهها، خصوصاً من الطائفة الشيعية. ويبدو أن الحزب الذي حمل الحروب والدمار إلى لبنان في طور ظهوره إلى الوجود، يصر على الأمر عينه، وهو في طور الأفول الذي قد يطول كثيراً. وحزب ولاية الفقيه وتقديس الموت، الذي "يزف الشهيد السعيد"، لا يتصور وجوده بصفةِ حزبٍ سياسي مجرد من السلاح؛ إذ إنه خُلق للسلاح ويغادر معه، ولو بعد نِزاع طويل. 

 

الحرب الإسرائيلية المقبلة بسبب استعادة حزب الله لسلاحه، ليست احتمالاً بالنسبة للدولة العبرية؛ بل هي حتمية. وهي لم تتوقف في الحقيقة مع الاتفاق على وقف إطلاق النار منذ سنة تقريباً؛ بل تواصل إسرائيل خوضها يومياً في أنحاء لبنان.

موقع detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية، نشر في 28 المنصرم نصاً بعنوان "كيف ستبدو عليه الحرب المقبلة بين إسرائيل وحزب الله". 

استهل الموقع نص هيئة التحرير فيه بالإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي، وعلى خلفية تجديد حزب الله استعداده للحرب ضد إسرائيل، يقوم أيضاً بالاستعداد في القطاع الشمالي، ويستغل "وقف إطلاق النار" لتعزيز إنجازاته العملياتية. 

ينسب الموقع هذا الكلام لمراسل walla العسكري أمير بوحبوت، الذي نقل عن الجيش الإسرائيلي تأكيده بأن هجماته الحالية تهدف إلى منع التنظيم الشيعي من إعادة بناء نفسه، وتعطيل استعداداته للحرب.

ويضيف المراسل بالقول إنه وبالتوازي مع مع جهود استنزاف حزب الله، أجرت الفرقة 91 بقيادة العميد يوفال جيز أكبر تدريبات منذ بداية الحرب، والتي تضمنت التدرب على سيناريوهات دفاعية وهجومية في البحر والجو والبر.

 

ووفق المراسل، ترفع إسرائيل مستوى استعدادها للحملة العسكرية "الحتمية المقبلة"، التي ستجري في عمق الأراضي اللبنانية، وستركز على تحييد الأصول الاستراتيجية التي يحاول حزب الله إخفاءها واستعادتها. ويمكن الافتراض أن حزب الله، باعتباره منظمة عسكرية رفيعة الاحتراف، يقوم بإجراء الأبحاث والتدريب بمساعدة الإيرانيين.

ويضيف المراسل بأن العمل الأساسي سيقع على عاتق مخابرات الجيش، التي ستحاول منع وقوع هجوم مفاجئ على غرار هجوم 7 أكتوبر. ولذلك يبذل جهاز مخابرات الجيش "أمان" جهوداً كبيرة في اختبار نموذج تحذيري دقيق يتكيف مع التهديدات المتغيرة على نحوٍ متواصل. ووفقًا لتقارير متداولة، يُحوّل حزب الله تركيزه إلى عمق البلاد. وسيتطلب ذلك من الجيش الإسرائيلي إجراء مناورات برية وجوية واسعة النطاق في عمق لبنان لتحييد قدرات حزب الله، الذي سيحاول تحدي العمق الإسرائيلي بإطلاق صواريخ دقيقة التوجيه ذات مدىً متفاوت وطائرات مسيرة.

 

الموقع الأذري haqqin نشر في مطلع الجاري نصاً عنونه "حزب الله استعاد وعيه. ستكون هناك حرب أخرى". 

في مطلع نصه نقل الموقع عن وول ستريت جورنال قولها إن حزب الله، وبعد أن تعافى من الضربات الإسرائيلية، بدأ باستعادة قدراته العسكرية تدريجياً، والعودة إلى تكتيكات مماثلة لتلك التي تستخدمها حماس اليوم في قطاع غزة.

تنقل الصحيفة الأميركية عن مصادر في أجهزة المخابرات العربية والإسرائيلية تأكيدها بأن حزب الله يعزز مخزوناته من الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية. وبعض هذه الأسلحة يصل عبر الموانئ وطرق التهريب من سوريا، في حين يُصنّع بعضها الآخر مباشرةً في لبنان. وعلى الرغم من وجود اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار منذ ما يقرب من العام، والذي ألزم لبنان بنزع سلاح حزب الله، إلا أنه لم يُنزع السلاح عملياً. لكن الصحيفة تستدرك بالقول إن السلطات اللبنانية قد حققت بعض التقدم في نزع السلاح وتدمير المستودعات في المناطق الجنوبية من البلاد، التي تضررت بشدة خلال القتال السابق، لكن لم يكن هناك سوى تقدم ضئيل في المناطق ذات النفوذ القوي لحزب الله مثل الضاحية والبقاع.

وتنقل الصحيفة عن مصادر استخبارية أنها تشير إلى تغييرات تنظيمية داخل حزب الله، حيث عاد إلى هيكلية أكثر لامركزية تذكرنا بالثمانينيات، وبنموذج القتال الذي استخدمته حماس في غزة. وفي الوقت عينه، ووفقًا للمصادر، يُجري كلا التنظيمين حملات تجنيد لمقاتلين جدد، بالرغم من أن القيادة المركزية تواجه صعوبات في تنسيق أعمالها. ومع ذلك، يُشير المحللون إلى أن حزب الله يُحافظ على جاهزيته القوية لمواصلة نشاطه المسلح.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث