سلام غزة ورصيد روسيا في المنطقة

بسام مقدادالثلاثاء 2025/10/21
بنيامين نتنياهو دونالد ترامب في الكنيست (Getty)
لم يقبل ترامب دعوة الصين وروسيا إلى قمة شرم الشيخ (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

حين سئل ترامب لماذا لم تدع روسيا إلى قمة شرم الشيخ، رد قائلاً: "فلينه فلاديمير الحرب عنده أولاً". وقد جرى الكثير من الأخذ والرد حول حقيقة دعوة روسيا لحضور القمة، لكن لافروف حسم النقاش بالقول أمام الصحافيين العرب في موسكو إن روسيا "لا تريد فرض نفسها"، وهي ترغب في حضور أي لقاء "يرغب المشاركون فيه بانضمامها إليه". وكانت مصر ترغب في حضور روسيا القمة إلى جانب الصين، وحسب الإعلام الروسي، تم توجيه الدعوة إلى الدولتين. لكن من الواضح أن الكلمة الفصل كانت  للإدارة الأميركية، التي من غير المرجح أنها كانت تطرح للنقاش مسألة حضور روسيا والصين قمة غزة. وإذا كانت روسيا تتساوى تقريباً مع الصين من حيث انخفاض الدور في حرب غزة، وبالتالي في وقفها، فإن رفض الإدارة الأميركية حضور الدولتين قمة شرم الشيخ تختلف دوافعه وأسبابه بالتأكيد.  

 

واشنطن ليست على استعداد للموافقة على دعوة الصين لاجتماع يبحث تسوية نزاع دور بكين فيه شبه معدوم، وليست بوارد معالجة قضية تايوان الآن. أما بالنسبة لروسيا، فيبدو أن واشنطن لا تريد تضخيم دور موسكو في تسوية صراع لم تلعب فيه دوراً مميزاً، وعلى عتبة قمة ترامب- بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقد تكون استخدمت رفض حضور موسكو هذا، إلى جانب التلويح بتسليم أوكرانيا صواريخ توماهوك بعيدة المدى، كوسيلة ضغط لحضور بوتين قمة بودابيست المنتظرة مع ترامب. لكن حين حصل ترامب على موافقة بوتين عقد القمة خلال الاتصال الهاتفي بين الرجلين في 16 الجاري، سقط الوعد بالصواريخ في اليوم التالي، خلال زيارة زيلينسكي إلى واشنطن في 17 منه. أما رفض حضور بوتين قمة شرم الشيخ، فلم تكن واشنطن بحاجة لتقديم بديل عنه، إذ أن ترامب يدرك، وكذلك بوتين، أن تأثير روسيا في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جعلته حرب غزة  شبه معدوم، وأن حضورها في المنطقة قد تراجع، لكنه لم يتلاش، كما تشير زيارة أحمد الشرع الأخيرة إلى موسكو.  

 

حرب إسرائيل على غزة التي يعتقد ترامب، أو يريد أن يعتقد، أنها انتهت في مؤتمر شرم الشيخ، قد غطت خلال السنتين على حرب روسيا ضد أوكرانيا، وتصدرت صفحات الإعلام الرئيسية، وحلت أعلام فلسطين مكان أعلام أوكرانيا من الشوارع الأوروبية. ومن غير المتوقع أن تنقلب الصورة رأساً على عقب مع مسارعة ترامب بعد شرم الشيخ إعادة ملف الحرب الأوكرانية إلى موقع الصدارة من خلال مسارعته إلى التواصل مع بوتين والإعلان عن قمة بودابست. 

قد يكون قرار ترامب هذا، بالإضافة إلى زيارة الشرع إلى موسكو، قد نشط البحث في الدور الروسي بالمنطقة على خلفية قمة شرم الشيخ لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، على الأقل في الإعلام الناطق بالروسية.

 

خصص مركز كارنيغي موسكو، الذي يصدر حالياً في برلين بإسم Carnegie Politika، مقالتين متتاليتين للحديث عن الواقع الجديد في الشرق الأوسط والنفوذ الرئيسي. 

مدير المركز ألكسندر باونوف (Alexander Baunov) عنون مقالته في 15 الجاري بالقول "النظام بدلاً من الفوضى. لماذا السلام في غزة يهدد الكرملين؟".

رأى الكاتب في مطلع النص، أنه على خلفية ما جرى في شرم الشيخ من فرض تنازلات ووقف لإطلاق النار على خصمين معروفين "بالوحشية والعنف والتصلب الدائم"، يبدو تعنت بوتين صادماً، ويسلط الضوء على عدم كفاءته كلاعب عالمي مسؤول. كما رأى أن الاتفاق بين ترامب وإسرئيل وحماس في شرم الشيخ، هو خسارة كلية للنظام الروسي. ولهذا يتفاعل القادة الروس مع الاتفاق على نحو يتسم بالبرودة والنقد، أو لا يتفاعلون معه كلياً. فبوتين الذي كان يسارع إلى تهنئة ترامب عند كل حدث مميز، لا يزال صامتاً حتى الآن. 

يرى الكاتب عدة أسباب تفسر برودة رد الفعل الروسي، وتمهل بوتين حيال ما يفترضه نصراً دبلوماسياً لترامب في شرم الشيخ. يعتبر الكاتب أن أول ما يزعج الكرملين في إنهاء حرب إسرائيل على حماس في شرم الشيخ، هو عودة حرب بوتين على أوكرانيا إلى مركز الصدارة في الإعلام. وقد قسمت حرب غزة الغرب والعالم إلى فريقين لا يستطيع أي منهما الإدعاء بصواب رأيه المطلق. ويخشى الكرملين أن ينسحب ذلك على الفريقين المؤيدين والمناهضين لحرب روسيا على أوكرانيا، وتهتز قناعة الفريق المؤيد بصوابية رأيه في تأييد مواصلة الحرب على أوكرانيا.  

 

إنزعاج الكرملين الثاني من اتفاق شرم الشيخ يتمثل في دحضه الفكرة الفلسفية والسياسية التي صاغها في السنوات الأخيرة خبراء الكرملين وكتّابه ومختلف أتباعه، والتي تقول إن العالم يقف عند نقطة فاصلة بين نظام دولي فاسد فقد المعنى والقوة، والفوضى التي يعمل فيها كل لنفسه، ولا أحد يعمل للآخرين، ولا توجد في ظلها سلطات ووسطاء على أهمية عالمية. لكنها فوضى يتشكل في حضنها عالم جديد أفضل من سابقه. ويجهد خدمة النظام الروسي من المثقفين ليبرهنوا "علمياً" مقولة أن روسيا في حربها على أوكرانيا لا تقوم بما لا يقوم به غيرها، ومنتقدوها هم من كارهي روسيا، توجههم غريزة منافسة غير نزيهة. 

يضيف الكاتب بالقول أن روسيا في حربها المستمرة على أوكرانيا منذ العام 2014، كانت المستفيد الأول من الفوضى العالمية التي تقول بها. وهي لا شك في أنها معنية بمواصلة الحروب السبعة التي يتباهى ترامب بإنهائها.

 

النص الآخر في موقع كارنيغي موسكو نشره المستشرق المعروف نيكيتا سماغين (Nikita Smagin) في 14 الجاري، وعنونه بالقول "قمة ترامب من دون روسيا، ما الذي يعد به موسكو الواقع الجديد في الشرق الأوسط". 

رأى سماغين أن قمة شرم الشيخ تبدو انتصاراً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. والاتفاق الذي تم التوقيع عليه هناك لإنهاء الحرب في غزة، يبدو على تناقض حاد مع محاولة الكرملين الفاشلة عقد قمة روسية عربية في موسكو. لكن وراء صورة فشل روسيا ونجاح إدارة ترامب في الشرق الأوسط تكمن حقيقة أكثر تعقيداً، إذ على مدار العامين الماضيين، شهد الشرق الأوسط تحولاً عميقاً. ويُعدّ صعود تركيا، وإضعاف إيران، والنهج الإسرائيلي المتشدد الجديد، أبرز هذه التغيرات التي طرأت.

ويرى سماغين أن من الغريب أن "الشرق الأوسط الجديد" يناسب الكرملين، إذ يفتح آفاقًا جديدة أمام روسيا. فالتغييرات الجذرية تخلق حالة من عدم اليقين وخطوط فاصلة ستحاول موسكو استغلالها لمصلحتها.

 

يتوقف المستشرق المتخصص بالشؤون الإيرانية عند أبرز التطورات التي حصلة في المنطقة خلال السنتين الماضيتين، من سقوط الأسد إلى إضعاف إيران التي تبدو، برأيه، ظلاً باهتاً لتلك الدولة المتنفذة في المنطقة التي كانت تمثلها منذ سنتين. 

ويرى سماغين أن الشرق الأوسط يتغير تحت تأثير نهج إسرائيلي جديد أكثر عدوانية، تشكَّل بعد هجمات 7 أوكتوبر. وتبدو حكومة نتنياهو عازمة على القضاء على أعدائها حول حدودها، إلى درجة أنها أثارت مخاوف جدية لدى معظم دول المنطقة.

كما يرى المستشرق أن مخاوف الدول العربية جعلت بعضها يبحث عن ضمانات أمن إضافية قد تستغلها روسيا اقتصادياً. ويتوقف عند تطور التبادل التجاري مع بعض الدول العربية، وعند عدد من مشاريع الطاقة والبنية التحتية المشتركة مع روسيا. 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث