لم ينس ترامب في كلماته التي ألقاها على متن الطائرة التي أقلته إلى االشرق الأوسط، وكذلك أمام الكنيست الإسرائيلي وفي شرم الشيخ، على التذكير بدوره الشخصي في صفقة غزة وفشل سلفه جو بايدن في التوصل إلى ما يشبهها. وترامب لا يفوت فرصة للتباهي بما يقوم به، إذ أنه بدأ مسلسل التبجح بصفقة غزة قبل أن يتسلم منصبه رسمياً، ووعد بعقدها أثناء حملته الانتخابية واستخدمها ضد الديموقراطيين، متهماً إياهم بالعجز.
كانت إدارة بايدن قد أعدت خطة لعقد اتفاقية لوقف إطلاق نار مؤقت في غزة، وعقدت عدة جولات من المفاوضات مع إسرائيل بشأنها، لكن نتنياهو حرص على تأجيل الرد على إدارة بايدن، وفضل أن يوفر "هديته" لصديقه ترامب. وكان النقاش بين إدارة بايدن وإدارة ترامب حول الفضل في اتفاقية وقف إطلاق النار، أحد الموضوعات التي استمرت حتى أواخر أيام الإدارة السابقة.
في كلمته الوداعية للشعب الأميركي قبل أيام من تسلم ترامب السلطة، أشار جو بايدن إلى أن المسؤولين في إدارته هم الذين وضعوا اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وأشار حينها إلى أنه أعطى تعليماته لفريقه بإطلاع إدارة ترامب الجديدة على كافة المعطيات المتعلقة بالإتفاقية، إذ "علينا أن نعمل معًا كأميركيين".
وتجدر الإشارة إلى أن تذكير بايدن بدور الديموقراطيين في صفقة هدنة غزة التي خرقتها إسرائيل، ولم تجددها في آذار/مارس المنصرم، لم يعنِ تجاهل الديموقراطيين لدور ترامب في التوصل إلى عقد تلك الصفقة. في اليوم الذي ألقى فيه بايدن خطاب الوداع، اعترف منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي بدور ترامب في حث الفرقاء المعنيين على القبول بالاتفاق.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن ترامب الذي لعبت مطالباته إسرائيل وحماس حينها بعقد صفقة الهدنة لمدة ستين يوماً، قد غض الطرف عن خرق إسرائيل لتلك الهدنة، ولم يصر على التوصل إلى هدنة أخرى، مما أتاح لإسرائيل تصعيد عملياتها في غزة وارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين طيلة المدة التي تفصلنا عن الصفقة الحالية التي يعلن ترامب بأنها تضع نهاية لحرب السنتين.
موقع الخدمة الروسية في BBC نقل إلى الروسية في 10 الجاري نصاً لمراسلي الشبكة في الخارجية الأميركية أنتوني زوركر (Anthony Zurker) و توم باتمان (Tom Bateman). بحث المراسلان في نصهما أسباب تمكن ترامب من التوصل إلى صفقة غزة مع حماس ونتياهو، وفشل بايدن في تحقيق ذلك. والملفت أن النص قد نقله أكثرمن موقع ناطق بالروسية.
استهل المراسلان نصهما بالقول، إنه حين وجهت إسرائيل ضربة لفريق حماس المفاوض في قطر، بدا الأمر وكأنه تصعيد جديد في الصراع يجعل آفاق السلام أكثر بعداً، وبدا طريق الدبلوماسية قد أقفل نهائياً. ولكنهما يريان أن هذه الضربة بالذات أصبحت في الحقيقة الحدث الذي أدى إلى اتفاقية تحرير الرهائن الحالية، والتي أعلن عنها ترامب. ويعتبران نزع سلاح حماس بين أعقد المسائل التي على الطرفين الاتفاق حولها بعد قبولهما المبدئي بالصفقة. وإذا ما تم الإلتزام بالهدنة من قبل الطرفين، قد تصبح الصفقة الإنجاز الرئيسي لرئاسة ترامب الثانية. بالمقابل، فشل بايدن وإدارته في التوصل إلى مثل هذه الصفقة.
يرى المراسلان أن أسلوب ترامب الفريد من نوعه في التفاوض قد ساعده في إحراز هذا الإنجاز، إضافة إلى علاقاته الشخصية مع قادة إسرائيل والبلدان العربية. وكما في معظم الاختراقات الدبلوماسية الأخرى، لعبت دورها عوامل مهمة أخرى لا تخضع لإرادة ترامب ونتنياهو.
يعدد المراسلان الخطوات الملموسة التي ترجم خلالها ترامب علاقاته الوثيقة مع نتنياهو خلال رئاسته الأولى ومطلع الثانية. ويعتقدان أن هذه الخطوات في دعم إسرائيل سمحت لترامب بممارسة ضغط أكبر غير مرئي على نتنياهو.
العلاقات الوثيقة بين ترامب ونتنياهو الذي يصف صديقه بأنه "حليف إسرائيل الأكبر في البيت الأبيض على مر التاريخ"، لعبت دورها في تحقيق صفقة غزة، والتي لم تكن تتوفر للرئيس بايدن. ووفقاً لبعض التقارير، أقدم ستيف ويتكوف على إجبار نتنياهو بالمعنى الحرفي للكلمة، في نهاية العام 2024 على قبول اتفاقية وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن.
ينقل المراسلان عن أحد أبرز محللي مركز كارنيغي الرئيسي آرون ديفيد ميلر (Aaron David Miller) (فرع موسكو أعلنته السلطات منظمة غير مرغوب فيها، ويصدر الآن في برلين تحت إسم Carnegie Politika) قوله بأن الضغط الذي يمارسه ترامب على نتنياهو يمكن اعتباره لا سابق له. ويؤكد بأن التاريخ لا يعرف مثالاً، حين يصرح رئيس أميركي لرئيس وزراء إسرائيل بالقول حرفياً "يجب عليك أن تطيع وإلا سيكون الأمر أسوأ".
أما بالنسبة لبايدن، فقد كانت دائماً علاقاته بحكومة نتنياهو أقل رسوخاً. فقد كانت إدارته تنتهج حيال إسرائيل سياسة "عناق الدب"، حيث كانت واشنطن تدعم إسرائيل في العلن، وفي الخفاء كانت تحاول لجم عملياتها في الحرب ضد حماس.
يرى المراسلان أن موقف بايدن هذا من إسرائيل كانت تحكمه التناقضات بين الديموقراطيين حيال الحرب في غزة، فأي خطوة كان يتخذها بايدن كانت تهدده بانفجار المواقف السياسية الداخلية. لكن المراسلان يريان أنه، وبغض النظر عن دور العلاقات الشخصية، لم تكن إسرائيل في عهد بايدن مستعدة للسلام بعد.
صحيفة Gazeta.ru نقلت في 11 الجاري عن Politico نصاً مقتضباً تحدث عن القصف الإسرائيلي لفريق حماس المفاوض في الدوحة وتأثيره على خطة ترامب بشأن صفقة غزة. نقل الموقع الأميركي عن دبلوماسيين ومصادر في البيت الأبيض تأكيدهم بأن الضغط الشديد الذي مارسه ترامب على إسرائيل عقب الضربة على قطر، وضع نقطة البداية لوقف إطلاق النار في غزة. وقد لوحظ أن ترامب أصبح أكثر صراحةً ووضوحًا، بعد هجوم الدوحة، وأصبحت الحاجة إلى اتفاق سلام أكثر إلحاحًا. وقد سمح هذا للرئيس الأميركي بممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل، وهو ما فعله. وصرح مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض للموقع الأميركي بالقول، إن هذا الأمر أجبر إسرائيل بالفعل على الموافقة على السلام.
وأشار الموقع الأميركي إلى أن خطة ترامب للسلام المكونة من 20 بنداً تلائم إسرائيل رسمياً. إذ أن الرهائن الإسرائيليين سيطلق سراحهم، والحركة الفلسطنية المتشددة حماس سوف تغادر غزة. إلا أن مصادر في البيت الأبيض تشكك في إمكانية تنفيذ هذه الخطة بالكامل في الواقع.
صحيفة "أوكرانيا" الروسية التابعة للكرملين وتصدر في القرم المحتل، نقلت في 10 الجاري عن الضابط السابق في المخابرات الأميركية سكوت ريتر (Scott Ritter) قوله إن إسرائيل المعزولة عن العالم قد تكون وافقت على خطة ترامب خوفاً من فقدان الدعم الأميركي، إذ من دونه سيتفاقم الوضع ويؤدي إلى سقوط الدولة. فقد بقي ترامب حليف نتنياهو الوحيد عملياً، في حين أن الاخرين فرضوا عقوبات ضد الدولة اليهودية، واعترفوا بفلسطين دولة مستقلة.
ونقلت الصحيفة عن أرون ديفيد ميللر المذكور أعلاه، قوله لصحيفة واشنطن بوست إنه لم يسبق لأي رئيس، جمهوري أو ديمقراطي، أن اتخذ مثل هذا الخط الصارم ضد رئيس وزراء إسرائيلي بشأن قضايا بالغة الأهمية لسياساته أو مصالحه الأمنية.
