الثلاثاء 2024/07/30

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

أردوغان في كسب...لا في دمشق رفقة زوجته

الثلاثاء 2024/07/30
أردوغان في كسب...لا في دمشق رفقة زوجته
إردوغان في "قصر الشعب" بدمشق أواخر العام 2006 (أرشيف غيتي)
increase حجم الخط decrease
حسبما نُقل عن مصادر الحكومة التركية، يُنتظر انعقاد لقاء أردوغان-الأسد في شهر آب المقبل، ولم تعد موسكو أو بغداد مرشّحتين لاستضافة اللقاء، ليعطيه انعقاده في عاصمة ثالثة وسيطة زخماً أعلى. ما نقلته صحيفة "تركيا" المقرَّبة من أوساط الحكومة، السبت، ينصّ على انعقاد اللقاء في معبر كسب الحدودي بين البلدين، وعلى أن الاتفاق بشأنه تمّ بين رئيس المخابرات التركية ونظيره الروسي الذي زار تركيا قبل أسبوع. وتقول الصحيفة أن عدداً من المسؤولين الأتراك وممثلين عن الأسد عقدوا ثلاث جولات من المباحثات التمهيدية خلال الشهر الجاري، وأن عملية التفاوض تطورت بسرعة وصولاً إلى النهاية المرتقبة.

وقد صرّح عمر تشيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، الثلاثاء الماضي، عقب اجتماع للحزب برئاسة أردوغان، أن جهازي المخابرات في البلدين عقدا اجتماعات في أوقات عديدة تحضيراً للقاء، مضيفاً أن اللقاء سينعقد عندما تنتقل التفاهمات المخابراتية لتأخذ طابع الملف السياسي على طاولة اللقاء بين أردوغان والأسد. إلا أن حذر تشيليك كان أسبق من وصول طائرة سيرغي ناريشكين، مدير المخابرات الروسية، إلى أنقرة في اليوم التالي، ويبدو أن لقاءه بنظيره إبراهيم كالين قد سرّع العملية.

إذا صحّت أخبار الصحيفة التركية، يكون بشار الأسد قد تخلّى فعلياً عن مطلبه بانسحاب القوات التركية من سوريا، كشرط سابق على اللقاء، أو تخلّى عن شرط الحصول علىى تعهّد تركي بالانسحاب في أجل مسمّى. أما أردوغان فيكون قد تخلّى في المقابل عن تطبيع دافئ يحقق له ما يريد، ولن تحطّ طائرته ضمن المدى المنظور في دمشق، لينزل منها رفقة زوجته. ونسترجع هنا تصريحه "الأقوى" قبل شهر من الآن عندما قال: "سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا، تماماً كما فعلنا في الماضي. أجرينا لقاءات في الماضي مع السيد الأسد، حتى على المستوى العائلي. ليس هناك ما يمنع حدوث ذلك غداً".

وأفصح تصريح أردوغان المذكور عن انعدام تام للحساسية إزاء التعاطي مع مجرم حرب، خارج المقتضيات الضيقة للبروتوكول الدبلوماسي؛ وهذا ما لم يفعله بعدُ القادة العرب الذين سبقوه إلى استقبال الأسد. على صعيد الشكل، بدا أردوغان توّاقاً لعودة العلاقة مع الأسد إلى "زمنها الجميل"، في حين يظهر الثاني متمنّعاً عن عودة ذلك الزمن إلا بشروطه. وقد نالت هذه الوضعية سخرية واسعة من معارضين سوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، بينما احتفل ما تبقّى من موالي الأسد بموقفه الذي يُظهره قوياً رغم كل ما هو معروف وشائع عن ضعفه وعزلته.

الحقّ أن موقف الأسد يثير الاستغراب إذا تُرك بلا تمحيص، فهو بحاجة إلى فكّ عزلته الإقليمية ثم الدولية، خصوصاً أن التطبيع العربي لم يقدم له ما هو مأمول فعلياً ومعنوياً. لكنّ المُصيب في الافتراض السابق تتراجع أهميته في حسابات واقع الأسد نفسه، ومهما بدت اندفاعة أردوغان لصالح الأسد فإنها عندما توضع على المحكّ لن تكون بلا ثمن. من المفيد هنا تأكيد أنقرة مرات عديدة على أن إلحاح الأسد على انسحاب القوات التركية من سوريا هو بلا جدوى، وقد صرح وزير دفاعها يشار غولر قبل أسبوع أن بلاده ستُنهي وجودها العسكري في سوريا عندما يتحقق الاستقرار، ويتوافق النظام السوري والمعارضة على دستور جديد وإجراء انتخابات حرة.

المطالبة بالانسحاب التركي هي كناية عن عدم رغبة الأسد حقاً في التطبيع مع تركيا، وما يتطلّبه التطبيع من التزامات لا يريدها. وشرحُ ما يريده أردوغان من التطبيع يتكفّل بشرح موقف بشار منه، بدءاً من ملف اللاجئين السوريين في تركيا الذين يطمح أردوغان إلى إعادة مليون منهم إلى مناطق سيطرة الأسد، فضلاً عن مليون آخر يُعيدهم إلى مناطق سيطرته في الشمال السوري. فحوى ذلك أن الأسد سيكون مسؤولاً عن مليون سوري إضافي، في الوقت الذي يئنّ فيه اقتصاده تحت حِمل المقيمين تحت سيطرته، في حين يسعى هؤلاء إلى الهجرة.

إن ما يبدو على صعيد السياسة والعسكرة منطقياً وصائباً، قد لا يكون كذلك على الصعيد العملي في حالة الأسد. فلو افترضنا مثلاً أن أدروغان يريد التخلّي عن إدلب للأسد من ضمن مستحقات التطبيع، فذلك يعني تقديم نصر أو مكسب للأخير سياسياً وعسكرياً، إلا أنه يعني أيضاً عودة أرض ليست مغرية على صعيد الموارد، وعليه تحمّل مسؤولية العائدين معها وعددهم يزيد على المليونين. الرقم يرتفع إلى خمسة ملايين إذا صار الحديث عن انسحاب تركي من الشمال السوري كله، بالطبع مع استثناء مناطق سيطرة "قسد" التي ربما يطمع الأسد في ما تحتويه من نفط وغاز.

ثم إن قبول الأسد بإعادة لاجئين سوريين من تركيا سيرتّب عليه، فوق تحمُّل مسؤوليتهم الاقتصادية، مسؤوليات أمام دول أخرى في الجوار، تحديداً أمام الأردن ولبنان. فمن المعلوم أن إعادة اللاجئين، من الأردن تحديداً، كانت ضمن بنود صفقة التطبيع العربي معه، ولم يلتزم بهذا البند أسوة بتنصّله من تنفيذ بنود أخرى. وهو أيضاً أعاق محاولات قوى لبنانية، بعضها صديق له، لإعادة اللاجئين عنوة إلى سوريا، بل كان موقفه واضحاً إذ ربط إعادتهم برفع العقوبات عنه وبالشروع في إعادة الإعمار.

بالعودة إلى موضوع الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية، يعلم الأسد أكثر من غيره أنه شرط تعجيزي، مثلما يعلم أن أنقرة لا مطامع لها في هذه الأراضي. المسألة هي في كون الانسحاب مرتبطاً بأمرين: انسحاب القوات الأميركية التي تشكّل مظلة حماية عسكرية لقوات "قسد"، ومن ثم سيطرة قوات الأسد على تلك المناطق كي لا تبقى تحت سيطرة كردية. ولئن كان موضوع اللاجئين السوريين في تركيا جزءاً من الجدل السياسي الداخلي، ما دفع أردوغان إلى طلب التطبيع مع الأسد لإعادتهم، فإنه غير قادر لأسباب داخلية أيضاً على التنازل عمّا سيصوّره خصومه تفريطاً في الأمن القومي، أي انسحابه من سوريا مع بقاء مظلة الحماية الأميركية لـ"قسد".

جدير بالذكر أن واشنطن رأت قبل أسبوعين أن محاولات أنقرة التطبيع مع الأسد لن تسفر عن النتائج المأمولة، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أن بلاده لا تدعم جهود التطبيع. وجدير بالذكر أيضاً أن أنقرة اتهمت واشنطن، قبل نحو أسبوع، بتسليم "قسد" منظومات دفاع جوي من نوع ستينغر، الأمر الذي يجعل الأولى تتمسك ببقاء قواتها في سوريا.

في الطريق إلى لقاء أردوغان-الأسد، يُلاحظ في الأيام الأخيرة احتفال الصفحات المؤيدة للثاني بفتح المعابر مع تركيا، وبقرب عودة الخط التجاري البري الذي يصل تركيا بالخليج مروراً بسوريا، بل بلغت الحفاوة بفتح المعابر حدّ تصويره حلاً للمشاكل الاقتصادية. هذا مؤشّر على الواقعية، بخلاف المطلب المتعلق بانسحاب القوات التركية، وثمة عامل ضغط على هذا الصعيد يتمثّل في الاتفاقيات التي وقعها أردوغان مع بغداد ليكون العراق معبراً اقتصادياً بديلاً إلى الخليج. في انتظار تشغيل الخط العراقي، قد ترضي استعادة الخط التجاري عبر سوريا قسماً من القاعدة البرجوازية لأردوغان، وسيتعيّن عليه أن يكون واقعياً فيقبل كحدّ أقصى بإعادة رقم رمزي من اللاجئين. اختيار معبر كسب للِّقاء، ملائمٌ لهذا الحد المتدني من التطبيع، أما عودة "الزمن الجميل" وذهاب أردوغان إلى دمشق رفقة زوجته، فدونه انسحاب قواته من سوريا، أو بالأحرى انسحاب القوات الأميركية منها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها