إسرائيل التي حسمت موافقتها مصير وقف إطلاق النار، وانتظر بايدن هذه الموافقة ليعلنه رسمياً، لم ترفق ذلك بالإعلان عن انتصارها. ولا يتكلم أحد في إسرائيل عن النصر، بل يعبّر الإسرائيليون عن دهشتهم لإقدام نتنياهو على الموافقة على هذه الهدنة، من دون أن تحقق إسرائيل معظم الأهداف التي أعلنها بنفسه للحرب على حزب الله في لبنان. وتكثر في الإعلام الإسرائيلي الناطق بالروسية الانتقادات لاتفاق وقف إطلاق النار، والتدقيق في كل نقاطه، للكشف عن المخاطر التي يرون أنها تكمن في كل منها. ويرى البعض أن لا جديد في الاتفاق، بل يكرر ما جاء في اتفاق هدنة سابق مع حماس.
موقع Vesti-Ynet الناطق بالروسية والتابع لمجموعة يديعوت أحرونوت، نقل في 26 الجاري عن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، قوله إن اتفاق نتنياهو مع حزب الله يكرر الاتفاق الذي عقده مع حماس العام 2018. فقد اختار نتنياهو حينها مقولة إنهزامية، إذ بدلاً من الضربة الشديدة الحازمة، بما فيها تصفية قادة الإرهابيين، اتخذ قراراً باسترضاء حماس لشراء السلام والهدوء.
موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية نشر في 27 الجاري نصاً، رأى فيه أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله هو "هدنة بلا منتصر". نقل الموقع عن المستشرق و"العلامة" في شؤون الشرق الأوسط Vasily Semenov قوله إن الجيش الإسرائيلي كبد حزب الله خسائر فادحة وقضى على كل قيادته تقريباً، لكنه لم يحقق أي نصر واضح، ومن المستبعد أن يعقد أي أمل جدي على ذلك.
ويقول إن القوات الإسرائيلية واجهت في جنوب لبنان قرى شيعية تركها السكان وأغلبية مقاتلي حزب الله، وكمائن أعدت بعناية. وحسب معلوماته، خلال شهر من الحرب التي أعد لها حزب الله طويلاً، خسر الجيش الإسرائيلي 100 عسكري (الجيش الإسرائيلي أعلن عن 800 قتيل) أغلبهم من وحدات النخبة. وصواريخ حزب الله حولت شمال إسرائيل إلى منطقة مقفرة، فر منها عشرات الألوف من الأشخاص. وإستراتيجية حزب الله -حرب العصابات غير المتكافئة، بالإضافة إلى الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار إلى جانب تضاريس جنوب لبنان الجبلية والغابات والأنفاق المماثلة لتلك الموجودة في قطاع غزة- جعلت من الغزو الإسرائيلي ممارسة عقيمة. ويقول إن الطرفين ربما أدركا أخيراً أن الاستمرار لن يبشر بالخير لأي منهما، فقررا التوقف.. "إلى حين".
صحيفة الأعمال الروسية الكبرى Vedomosty نقلت في 27 الجاري عن المستشرق رسلان سليمانوف قوله إن حزب الله يحتاج إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل لإعادة تجميع القوات، وتجديد طاقم القيادة ومستودعات الأسلحة. ويرى أن رحيل زعيم الحزب حسن نصرالله، وضع الجماعة أمام خيار: إما مواصلة الحرب مع إسرائيل بالطريقة السابقة، أو تركيز جهوده على الشؤون الداخلية لتعزيز مواقعه الداخلية التي اهتزت بشدة. ومع ذلك، طالما تستمر الحرب في غزة، ليس من المؤكد أن يعيد الحزب النظر في استراتيجيته تجاه الدولة العبرية. "ولذلك، أنا لا استبعد إمكانية تفاقم جديد".
ويرى سليمانوف أنه على الرغم من أن الاتفاق يقضي بانسحاب الحزب من جنوب لبنان، إلا أنه لا يرى كيف يمكن تطبيق هذا الشرط. فالقرار 1701 قضى كذلك بانسحاب الحزب إلى وراء نهر، "لكنه لم يقم بذلك".
كما نقلت الصحيفة عن المحاضر في كلية الاستشراق التابع لمدرسة الاقتصاد العليا Andrey Zeltyn، قوله: "على الرغم من أن حزب الله سوف يحاول كتنظيم الالتزام بشروط الهدنة، إلا أن نسبة كبيرة من أعضائه يعيشون في جنوب لبنان. ومن الصعب القول كيف سيتصرف هؤلاء في المستقبل. ولذلك، فإن ضمان إخراج المقاتلين من المنطقة الأمنية صعب تقنياً". وهو لا يستبعد أن حزب الله سوف يحاول تطبيق شروط الهدنة من أجل إعادة تجميع القوات.
يشكك سليمانوف في أن يصبح اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان مقدمة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة. ويرى أن إنهاء الصراع مع حزب الله، سوف يسمح للإسرائيليين بحشد جميع قواتهم ضد حماس. ويشير إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق في غزة بسبب مواقف االطرفين المناقضة لبعضها.
موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نقل في 27 الجاري عن موقع Walla نصاً بعنوان "انتصار إسرائيل، لكن ليس هزيمة حزب الله". وأرفق العنوان بآخر ثانوي "حزب الله لم يتم نزع سلاحه أو هزيمته أو تدميره، لكن هذا لم يكن هدف الحرب أبداً".
رأى موقع Walla أن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ليس هزيمة استراتيجية لحزب الله، لكنه بالتأكيد نتيجة انتصار إسرائيل في بالشمال، وتحقيق الأهداف المتواضعة التي وضعتها نصب عينيها منذ البداية. ويقول أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي شديد الشبه بالقرار 1701، لكنه يتضمن أمرين جديدين.
الأول، نشر الجيش اللبناني على نطاق واسع في جنوب لبنان، وليس الاستناد إلى قوات اليونيفيل فقط .
الأمر الثاني، آلية الرقابة التي ستشارك فيها بنشاط الولايات المتحدة، والتي ستتصرف على نحو مختلف كلياً عن قوات اليونيفيل. ووصول ترامب إلى البيت الأبيض سيجعل هذا أكثر احتمالاً. وينقل عن مسؤول أميركي رفيع المستوى شارك في وضع اتفاق الهدنة الحالي قوله إن إسرائيل خرجت من حرب 2006 خاسرة، بينما هي رابحة حالياً، ولذا سيطبق الاتفاق الآن.
موقع Detaly عينه نشر في 29 الجاري نصاً نقل فيه عن مركز أبحاث إسرائيلي رأيه في التأويلات المختلفة لنص الاتفاق. نقل الموقع عن مؤسسة ومديرة مركز Alma لقضايا أمن إسرائيل في الشمال Sarit Zahavi قولها إن العمل في الشرق الأوسط أهم من القول. وهكذا بالذات ينبغي النظر إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله.
قالت الباحثة إن السؤال الأهم غير المفهوم، هو كيف ستعمل آلية تنفيذ الاتفاق. بالنسبة لحزب الله، ليس السؤال ما إذا كان سيحاول إعادة بناء قدراته، بل فقط متى وبأي قوة سيحاول إعادة بناء هذه القدرات.
ترى الباحثة أن الأسئلة الكبيرة التي ستحدد أمن إسرائيل تكمن في التفاصيل الصغيرة. وعلى سبيل المثال، إذا كانت شاحنات محملة بالأسلحة وتعبر من سوريا إلى لبنان، هل على إسرائيل أن تطلع الأميركيين على الأمر، وبذلك تعرض مصادر معلوماتها للخطر وتزيد إمكانية القضاء عليها بسرعة؟ هل على إسرائيل أن تطلق النار على مقاتلي حزب الله الذين يقتربون من الجدار الفاصل على الحدود، وهو ما حدث بالأمس؟ وماذا عن البنايات على الحدود المواجهة لإسرائيل ويعاد بناؤها، والتي كانت تطلق منها الصواريخ المضادة للدبابات، فهل هذا خرق للاتفاق؟ وماذا إذا كانوا يحفرون أنفاقاً من هذه البيوت؟
إضافة إلى هذه الأسئلة "الصغيرة" التي تشغل بال الباحثة، تتساءل: لماذا لا يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار إلتزامات متبادلة في تنفيذ القرار 1701؟ وتشير إلى أن المركز بلور في الأشهر الأخيرة ثلاث مجموعات من "الأسئلة المبدئية" التي لا ينبغي أن يتجاهلها اتفاق وقف إطلاق النار: نزع سلاح حزب الله وفق القرار 1559، آلية إشراف فعالة لاستبدال قوات اليونيفيل التي فشلت، والتعريف الواضح لحرية إسرائيل في العمل على تنفيذ الاتفاقات في حالة بروز تهديد لها. وتقول إنه للوهلة الأولى يبدو أن الاتفاق يتضمن هذه المجموعات الثلاث، لكن لدى القراءة المتأنية لبنوده، يبرز الكثير من علامات الاستفهام.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها