السبت 2023/06/10

آخر تحديث: 06:01 (بيروت)

من أطلق النار على نفسه في كاخوفكا؟

السبت 2023/06/10
من أطلق النار على نفسه في كاخوفكا؟
increase حجم الخط decrease

 سقوط سد كاخوفكا الأوكراني على المجرى السفلي لنهر الدنيبر، تحول إلى أحجية: هل سقط بنفسه بفعل القصف المتلاحق عليه منذ اليوم الأول لغزو روسيا، أم تم تفجيره، ومن قبل الروس أم الأوكران؟ ما يرجح سردية تفجيره المتعمد لأسباب عسكرية، هو أنها ليست المرة الأولى التي يُفجر فيها، بل فجره الروس لدى إنسحابهم أمام الجيش الألماني العام 1941، وعاد الألمان بدورهم لتفجيره لدى إنسحابهم أمام الجيش الروسي العام 1943. فالسوابق التاريخية تدعم سردية التفجير المتعمد للسد لآسباب عسكرية. لكن هذا يفترض أنه إذا كانت روسيا تعمدت التفجير، كما يشيع الأوكران، فهذا يعني أنها عازمة على الإنسحاب أمام الهجوم الأوكراني المضاد في مرحلته التمهيدية، وقبل أن يتطور إلى مرحلته النشطة. فعلى الرغم من كل الأدلة التي تساق على أن روسيا فجرت السد الذي تحتله لإعاقة الهجوم الأوكراني المضاد، يبدو الأمر كمن يطلق النار على نفسه قبل أن يستنفذ طاقته على المقاومة. وتتنافى السردية كلياً مع ما أصبح معروفاً من أن بوتين يرفض الإعتراف بالهزيمة حتى لو أصبحت محتمة، ولن يتوانى حينها عن إستخدام كل ما بجعبته، بما فيها النووي التكتيكي. 

روسيا بدورها إتهمت على الفور أوكرانيا والغرب من ورائها بتفجير السد، متجاوزة إحتلالها المباشر للسد وطردها منذ اليوم الأول الفنيين والإداريين الأوكران الذين كانوا يديرون المنشأة. في حال صح الإتهام الروسي، أوكرانيا هي الأخرى تصبح كمن يطلق النار على نفسه وهي لا تزال في المراحل التمهيدية لهجومها المضاد. فالسد هو المعبر الوحيد عبر الدنيبر إلى الضفة المقابلة، ويصبح العبور صعباً إن لم يكن مستحيلاً إلى الضفة المقابلة حيث يقيم الروس تحصيناتهم . وفي هذه الحالة تضيق جبهة الهجوم المضاد، وتنتقل من الجنوب إلى الشمال الشرقي ، مما يسهل على روسيا مقاومة الهجوم الأوكراني المضاد. 

خلافاً لألمانيا وهولندا والمفوضية الأوروبية، الولايات المتحدة وبريطانيا لم تتبنيا حتى الآن أي من الروايتين الروسية والأوكرانية لانهيار السد، وأعلنتا أنهما لا تزالان تتقصيان فرضيتي التفجير أو الإنهيار التلقائي بسبب القصف المتكرر. لكن مواقع الإعلام الروسية المعارضة لبوتين، وكما أوكرانيا، تبنت منذ اللحظات الأولى فرضية تفجير روسيا للسد. 

موقع Kasparov المعارض نشر في 7 الجاري مدونة بعنوان "السمعة الغريقة" للمعارض أندريه أكون الذي يعرف نفسه بأن "مافيا بطرسبورغ" لا تحبه، في إشارة إلى بوتين والمسؤولين المقربين منه. قال المدون بأنه من المستحيل الجزم بمن يقف وراء تدمير سد كاخوفكا، إذ لا تتوفر الدلائل الموضوعية لذلك. لكن ثمة عدداً أكثر من كاف من الدلائل غير المباشرة، بدءاً من وجود محطة كاخوفكا تحت سيطرة الجيش الروسي، وإنتهاءاً بالأخبار عن أن جسم السد جرى تلغيمه منذ الخريف المنصرم. لذا يُعتمد التحليل للبحث عن الجاني: لصالح من تفجير سد كاخوفكا، وأي قيادة عسكرية بوسعها الإقدام على إفتعال كارثة بيئية فعلية؟  

ويرى المدون أنه مهما بدا الأمر مستغرباً، إلا أن الوضع الناشئ هو لصالح الطرفين. بإنهيار السد وفيضان المياه تعرقل روسيا هجوم الجيش الأوكراني وتحمي الممر البري إلى القرم.  أما أوكرانيا فتدمر كل حقول الألغام والتحصينات الروسية على الضفة اليسرى لنهر الدنيبر. لكن روسيا قد لحق بها ضرر كبير من فيضان المياه، وليس ما يتعلق بالخسائر العسكرية فقط، بل في ما يتعلق بالحد من إمكانية وصول المياه العذبة إلى القرم. ويبدو الأمر وكأن الطرفين متعادلين، مع رجحان كفة الخسارة لجهة روسيا. 

لكن لدى مقاربة الوضع بطرح السؤال عمن بوسعه الإقدام على مثل هذا الفعلة، تصبح كل الأمور واضحة جلية. فالقيادة السياسية الروسية فعلت أقصى ما يمكنها من أجل تدمير سمعة بلد بأكمله: كي يوميء الناس برؤوسهم نحو روسيا حين يسخرون من غباء قرار ما، أو كي  ينظرون ناحية روسيا حين تقع كارثة مروعة ما. 

ويضيف المدون قائلاً بأن جرائم القتل، الإغراق، التدمير، التعذيب لمصلحة شخص واحد، إلتصقت بروسيا على المسرح الدولي. ويعدد الجرائم التي إرتكبتها روسيا خلال غزوها أوكرانيا من مجزرة بوتشا، إيربن، المسرح في ماريوبول والعديد سواها. ويقول بأنه إذا كانت قد إرتكبت كل هذه المجازر، فما الذي يمنعها من إغراق ضفة نهر الدنيبر بأكملها. وتعليقاً على عزم روسيا الدعوة لجلسة لمجلس الأمن الدولي للنظر بإنهيار سد كاخوفكا، يقول المدون أنه لو دعت روسيا إلى عشر جلسات للمجلس، "فلن يصدقها أحد، لأن سمعتها قد غرقت نهائياً".

ولهذا السبب، يرى المدون، أنه ليس مهماً من يتحمل مسؤولية إنهيار سد كاخوفكا. فالطريق إلى المعاناة الإنسانية بلا حدود، قد مهدتها روسيا بالذات على أمل كسب حرب سريعة مظفرة. فلو كان أجاد بوتين الإنتصار إقتصادياً، لو كان شكل حكمه ورؤيته للمستقبل مقبول حتى من دول الجوار، لما كانت الحرب لتقع. لكن حكم بوتين جعل كل الأمور تصل إلى طريق مسدود، بحيث لم يتبق سوى السلاح الحجة الوحيدة في أي نزاع دولي. 

لقد كان بوتين واثقاً من أنه سيحتل أوكرانيا في ثلاثة ايام أو في أسبوع. وكل تصرفات النخبة العسكرية وصيحات الإبتهاج للبروباغنديين وتصريحات المسؤولين الرسميين كانت تشير إلى توقع هذا الإنتصار المبكر. لكن الحرب خرجت من تحت السيطرة، ووصلنا إلى جحيم حقيقي مستمر منذ 16 شهراً. 

وكالة الأناضول التركية نقلت في 8 الجاري عن مقابلة للرئيس الأوكراني مع الصحيفة الألمانية Bild قوله بأن كييف لا تملك في الوقت الراهن إثباتات على ضلوع روسيا في كارثة كاخوفكا. وقال بأن الإثباتات ستجمع حين "سنكون" هناك وبمشاركة خبراء دوليين. 

وبعد أن عبر زيلينسكي عن خيبة "أمله العميقة" من ردة فعل الصليب الأحمر ومنظمة الأمم المتحدة "الدبلوماسية جداً"، ربط بين إنفجار سد كاخوفكا وهجوم أوكرانيا المضاد. وقال بأن الروس يخشون أن "نبدأ" الهجوم من هناك، ويريدون أن يجعلوا تحرير "أرضنا" أكثر صعوبة. وأضاف بأن أوكرانيا أشارت منذ سنة إلى أنها تملك معلومات بأن السد سيتم تلغيمه، وتبادلت هذه المعلومات مع شركائها. 

وتنقل عنه الوكالة بأن الكارثة لم تفاجئه، بل "لم نعد نفاجأ بما تقوم به روسيا". وبعد أن يشير إلى عمليات التعذيب والإغتصاب التي إرتكبها الروس، قال "هذا هو أسلوبهم في خوض الحرب".

وكالة نوفوستي نقلت في 6 الجاري عن سلطات منطقة كاخوفسكايا قولها بأن السد تلقى ضربات من منظومة المدفعية الأوكرانية متعددة الصواريخ Alder، وبدأ تدفق المياه الذي يستحيل التحكم به. 

وأشارت الوكالة إلى وصف الحدث من قبل الناطق بإسم الكرملين بأنه تخريب متعمد من جانب أوكرانيا. وقالت بأن القصف الأوكراني لمحطة كاخوفسكايا لتوليد الكهرباء، بما فيه للسد، ادى إلى إنهياره. وأشارت إلى أنه سبق لموسكو منذ شهر أن دعت مجلس الأمن الدولي للحؤول دون تدمير السد. 

ونقلت الوكالة عن الخبير العسكري الروسي دمتري كورنيف قوله بأن الوضع ينطوي على سلبيات وإيجابيات لطرفي النزاع. فإتساع عرض نهر الدنيبر يجعل عمليات الإنزال البرمائية الأوكرانية مستحيلة، أو شديدة الصعوبة بما لايقاس. 

وعلى الضفة اليسرى من النهر توجد التحصينات الروسية للمنطقة، والتي تقع ضمن حيز الفيضان. لكن القائم الروسي بأعمال حاكم منطقة خيرسون يقول بأن تدفق المياه "كبير، لكن ليس حرجاً"، ولن يعرقل قيام العسكريين الروس بالدفاع عن الضفة اليسرى.  

 

 

    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها