الجمعة 2023/05/05

آخر تحديث: 18:39 (بيروت)

الحروب تزداد فتكاً وتدميراً

الجمعة 2023/05/05
increase حجم الخط decrease

كان لافتاً أنه حين كانت تتوافر مشاهد القتال الدامي في الخرطوم حيث يقطن أكثر من خمسة ملايين شخص، والتدمير المتواصل فيها جواً وبراً، نشرت مجلة "فورين أفايرز" مقابلة مع رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارك ميلي تحدث فيها عن تبدل طبيعة النزاعات، وتحديداً أنها أضحت أكثر فتكاً، في حين صار مسرحها الغالب، المدن الكبرى المكتظة بالسكان.

ميللي تحدث في المقابلة وعنوانها عن كيفية تفادي الحروب الكبرى، عن وقوع الحرب مستقبلاً في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، ومسار تطور الأسلحة حالياً. على المستوى السكاني، سيتجاوز عديد البشرية في العالم عتبة الـ8 مليارات انسان في حلول منتصف القرن الحالي. وهذه تحولات تترافق مع تبدلات في التوزع السكاني، إذ نعلم بأن لدينا اليوم 10 أو 15 مدينة كبرى فيها عشرة ملايين شخص على الأقل. ولكن في منتصف القرن الحالي، سيكون العدد، وفقاً لميلي، خمسين مدينة كبرى مكتظة بالسكان مثل سيول التي يقطن فيها 27-30 مليوناً.

نتيجة هذا التحول الكبير في التوزع السكاني، الأرجح أن تحدث الحروب في مدن مكتظة بالسكان، بدلاً من المناطق المفتوحة كالصحراء أو التلال الأوروبية، والتي دُربت الجيوش على مدى القرون الماضية على القتال فيها. ومثل هذا التحول طبعاً يتطلب تحضيراً ليس في التدريب فحسب، بل كذلك في التقنيات الملائمة "التي تتطور سريعاً". بحسب رئيس هيئة الأركان الأميركي، ستنتصر في مثل هذه المواجهة الجهة القادرة على الجمع بين تعزيز قدرتها على القتال في المدن، وبين استخدامها للتقنيات المتوافرة بشكل متزايد في هذا السياق. بكلام آخر، جيش بتشكيلات صغيرة ومُدربة على القتال داخل المدن، وقدرة عالية على استخدام التكنولوجيا المتوافرة لمثل هذه المواجهات، أكان من أجل التخفي أو التحرك بسرعة.

ومثل هذا التحول سيحصل في ثلث الجيش الأميركي على الأقل بعد عشر سنوات من الآن، وتدريجياً باتجاه تحول شامل خلال عقود قليلة من الآن "لاستباق أي قدرات صينية أو روسية" في هذا المجال. ذاك أن الصراع الدائر حالياً في أوكرانيا قوّض قدرات الردع الروسية، من السلاح النووي الى القوة التقليدية الهائلة عسكرياً، والمتمثلة بأسلحة المدرعات والمقاتلات والمدفعية وغيرها. على سبيل المثال، الهجوم الأخير بمسيّرتين على الكرملين في موسكو قبل أيام، أظهر ضعف الدفاع الصاروخي والجوي الروسي، وعماده منصات S400 المكلفة مقارنة بمسيّرات لا تُكلف سوى آلاف الدولارات.

وحقيقة أن بإمكان أوكرانيا قصف الأراضي الروسية والعمق الروسي بالمسيرات ليس بالتفصيل الصغير في مثل هذه الحرب، بل يُظهر أن نوعيتها اختلفت، والدفة تميل فيها الى الأكثر تطوراً وسرعة وابتكاراً، مقارنة بالجيوش الكبرى المدججة بالأسلحة الثقيلة.

المطلوب في مثل هذه الصراعات، المزيد من الخفة والسرعة في الحركة، وكذلك الدقة في ضرب الأهداف البشرية وغيرها. أحد أهم دروس حرب أوكرانيا هي أن الدبابات الروسية الثقيلة تحول لعبء، أكان لكونها تتطلب خط امداد للوقود والذخيرة وقدرات لوجستية غير متوافرة، أو لأنها تكشف القوات أمام المسيرات وتتحول لهدف سهل لها من الجو. المسيرات جزء أساسي من المشهد، وساعدت على كسر الهيمنة الجوية وارباك الجيوش الكبيرة وقدراتها الدفاعية، علاوة على ضرب أهداف استراتيجية بأكلاف منخفضة نسبياً.

الحرب النفسية والإعلامية كذلك تحولت وباتت أكثر تطوراً. بيانات وسائل التواصل والقدرة على توظيف الذكاء الاصطناعي فيها باتت ضمن الترسانة الكبرى للجيوش وتُؤثر نفسياً في الخصوم. أي حرب جديدة بات فيها اليوم اختصاصيون بوسائل التواصل والحرب النفسية واستخدام الفيديوهات في الترويج للقوات وضرب صورة خصومها. 

التطور التقني والتحول في طبيعة القتال ومسرحه، سينعكسان في رفع الكلفة البشرية، يُضاف اليهما التبدل الكبير الحاصل في مشهد القوى الكبرى، دولياً واقليمياً. وأحد وجوه هذا التحول يتمثل بحرب أوكرانيا التي أورد أحد إحصاءات القتلى (رويترز الشهر الماضي) رقم 350 الفاً، وهو مرشح للارتفاع بعد الحملة العسكرية المرتقبة قبل الصيف.

لكننا ما زلنا في بداية هذه التجارب، إذ أن بين القادة والخبراء العسكريين من يتوقع قتالاً بآلاف المسيرات والصواريخ الذكية داخل مدن مكتظة بالناس، هذه هي وجهة المجهود الحربي التي يبشرنا بها قادة الجيوش.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها