الثلاثاء 2023/05/30

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

مأزق مفاوضات التسوية الروسية الأوكرانية

الثلاثاء 2023/05/30
مأزق مفاوضات التسوية الروسية الأوكرانية
increase حجم الخط decrease

الجولة الأوروبية لممثل الصين لشؤون الحرب الروسية على أوكرانيا لي هوي، والتي إنتهت في موسكو في 26 الجاري، حثت روسيا وأوكرانيا على تبادل شروط المفاوضات لإنهاء الحرب. المتعارف عليه أن يقدم طرفا أي نزاع إقتراحاتهما لإطلاق مفاوضات فض النزاع. لكن روسيا وأوكرانيا لم تقدما إقتراحات، بل شروط ــــ إنذارات كررت ما دأب الطرفان على إعلانه منذ بداية الحرب في شباط/فبراير 2022. 

الدبلوماسي الصيني لم يفصح عن مضمون محادثاته في موسكو وكييف والعواصم الأوروبية (بروكسل، باريس، فرصوفيا وبرلين). لكن  the Wall Street Journal قالت بأن الصيني دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإحتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها إليها. وكان رد الأوروبيين، على قول الصحيفة، بأن تجميد الصراع ليس في صالح المجتمع الدولي من دون سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. أوكرانيا تصر على التسوية بشرط إنسحاب القوات الروسية، وموسكو ترفض مبادرات السلام من دون إحتفاظها بالأراضي الوكرانية  التي ضمتها إليها رسمياً، لكنها تعلن في الوقت عينه أنها مستعدة للمفاوضات مع كييف من دون شروط مسبقة.  

في اليوم التالي لزيارة المبعوث الصيني إلى موسكو ومحادثاته مع سيرغي لافروف، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غاوزين شروط روسيا الرئيسية للمفاوضات مع أوكرانيا، والتي كان أعلنها مجتمعة (7 شروط) في أواخر آذار/مارس المنصرم في مقابلة مع قناة التلفزة RTVI التابعة لعملاق بروباغندا الكرملين RT. وفي مقابلة مع وكالة تاس ، قال بأن رفض أوكرانيا الانضمام إلى الناتو والإتحاد الأوروبي وعودتها إلى الحياد وعدم الإنضماام إلى الأحلاف، هو أحد شروط التوصل إلى السلام. وأضاف بأن مقاربة روسيا لتسوية النزاع مع أوكرانيا لا تتغير، وهي: حماية سكان الدونباس، نزع نازية أوكرانيا وسلاحها، القضاء على تهديدات أمن روسيا الصادرة من أراضي أوكرانيا. وقال بأن التسوية ممكنة فقط في حال توقف الجيش الأوكراني عن العمليات العسكرية والتخلي عن إمدادات الأسلحة الغربية. وفي تمويه للمطالبة بإعتراف أوكرانيا بشرعية ضم أراضيها المحتلة إلى الإتحاد الروسي، قال غاوزين بضرورة الإعتراف بالتغيرات الإقليمية التي تمخضت عن تنفيذ "حق الشعوب بتقرير المصير"(الإعتراف بشرعية إستفتاء سكان المناطق الأربع بشأن الإنضمام إلى روسيا). 

ونقلت عنه تاس تأكيده ضرورة إعتراف أوكرانيا بالروسية لغة رسمية وتشريعها دستورياً، وقال بضرورة إحترام أوكرانيا الحقوق الرئيسية للإنسان، بما فيها الحق بحرية المعتقد. 

الإنذار الروسي "شديد اللهجة"هذا، فهمه الأوكران على حقيقته، وليس إقتراحات لإطلاق المفاوضات. وإضافة إلى الرد الرسمي من ديوان الرئاسة الأوكرانية، تصدى الرئيس الأوكراني السابق بيتر باراشنكو للرد على "المقترحات" الروسية في اليوم عينه. فقد نقل عنه موقع newdaynews الروسي في الأورال في 27 الجاري قوله في منتدى كييف للأمن  أن كييف يمكنها بدء المفاوضات مع موسكو لوقف إطلاق النار، فقط في حال قبول أوكرانيا في الإتحاد الأوروبي والناتو. وقال في كلمته بالمنتدى في 26 الجاري بأن رسالته إلى قمة الناتو القادمة في فيلنوس عاصمة ليتوانيا هي أن المفاوضات ليست الأساس، بل نتائجها، وتنتهي حين "نصبح أوكرانيا عضواً في الإتحاد الأوروبي". وتوجه إلى المشاركين في قمة فيلنوس في تموز/يوليو القادم بالقول: "لا تخشوا بوتين، لا تخشوا إستفزازه، لا تخشوا نصر أوكرانيا وبأنه سيزعج بوتين، ولا تخشوا عضوية أوكرانيا في الناتو لأنه سيعني إنتصارنا المشترك" . 

الرد الأوكراني الرسمي على مقابلة الدبلوماسي الروسي مع تاس لم يتأخر، بل أتى بعد ساعات فقط من نشر المقابلة. فقد نقل موقع صحيفة Postimees الليتوانية في 27 الجاري عن موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW تصريح مستشار ديوان الرئاسة الأوكرانية ميخائيل بودولياك الذي رأى في مقترحات غالوزين تأكيد القيادة الروسية مرة أخرى عدم كفاءتها القانونية والفعلية.  

أعلن بودولياك مطالب أوكرانيا المضادة من أجل إنطلاق المفاوضات، وأولها الإنسحاب الفوري لجميع القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. 

ثاني هذه المطالب كان ملفتاً، وبدا كأنه رد على شرط الإتحاد الأوروبي لقبول عضوية أوكرانيا بتخلص المجتمع الأوكراني من قيم المجتمع السوفياتي كمقدمة للإنسجام مع القيم الأوروبية الغربية. فقد إشترطت أوكرانيا إعتراف روسيا بحقيقة سقوط الإتحاد السوفياتي، وتمتع الجمهوريات السوفياتية السابقة ب"السيادة المطلقة". 

أما الشروط الأخرى لعقد سلام بين موسكو وكييف فقد رآها بودولياك في تسليم روسيا جميع مجرمي الحرب الذين أشعلوا  الحرب، إقامة منطقة عازلة وتخفيض كمية السلاح الهجومي، دفع روسيا تعويضات وتخليها عن الأصول المجمدة في الغرب لصالح أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، دعا بودولياك لعقد مؤتمر دولي لتنظيم المراقبة على ترسانة سلاح روسيا النووي.

بدوره رئيس ديوان الرئاسة الأوكرانية أندريه يرماك علق على مقابلة غالوزين بالقول بأنه ليس من قوة اليوم تلزم المجتمع الأوكراني وقيادة الدولة التحدث إلى الروس، طالما تواجدت قوات روسية على "أرضنا". 

موقع haqqin الأذري الناطق بالروسية نقل عن خبراء معهد دراسة الحرب الأميركي ISW قولهم في التعليق على "المقترحات" الروسية بأن الكرملين ليس بحاجة للمفاوضات. وهو يحاول مرة أخرى الضغط على الغرب لإجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات والتفاوض بشروط لصالح موسكو. ورأى الخبراء أن روسيا شنت حملة إعلامية استهدفت تعزيز ضغط الغرب على أوكرانيا. وأشاروا إلى إعلان الكرملين في 26 الجاري بأن الرئيس بوتين، وفي إتصال هاتفي مع الرئيس البرازيلي، عبر عن إنفتاح روسيا على الحوار السياسي الدبلوماسي الذي تعرقله حتى الآن كييف وممولوها الغربيون. ورأى الخبراء أن تصريح بوتين هذا لا يشير إلى أن روسيا معنية بالمفاوضات مع أوكرانيا. فالكرملين لم يوفر أي شروط جدية للمفاوضات، ولم يتخل عن هدفه في إجبار الحكومة الأوكرانية على الإستسلام. ويقول الخبراء بإحتمال أن يكون الكرملين يكثف تصريحاته المضللة بشأن الإستعداد للتفاوض مع أوكرانيا على خلفية وصول ممثل الصين الخاص لي هوي إلى موسكو في 26 الجاري لمناقشة التسوية السلمية لحرب روسيا على أوكرانيا عن طريق المفاوضات. 

يفترض خبراء المعهد الأميركي إمكانية أن تحاول الصين دفع الغرب لإجبار أوكرانيا على الموافقة على وقف إطلاق النار بشروط ليست لصالحها، بما فيها التخلي عن أراضيها المحتلة.  في غضون ذلك ينشر الكرملين التصريحات عن إهتمامه في المفاوضات عشية الهجوم الأوكراني المنتظر الذي سيثير غضب الغرب في هذه الحالة. ويستنتج الخبراء من هذا الوضع المفترض أن موسكو تحاول عرقلة مواصلة الغرب مساعداته العسكرية لأوكرانيا. 

قد تكون فرضيات خبراء المعهد الأميركي تعكس جو النقاشات التي تدور في الولايات المتحدة وأوروبا حول عجز أوكرانيا عن إسترجاع كل أراضيها المحتلة في المستقبل القريب. ومما قد يعنيه ذلك هو ضرورة التفاوض مع روسيا وتجميد الصراع، وترك مسألة أراضيها المحتلة إلى زمن قادم. ومن جو النقاشات هذه، نقلت صحيفة Gazeta.ru الروسية الموالية في 29 الجاري عن رئيس أركان القوات المسلحة الأميركية الجنرال مارك ميللي تصريحاً قال فيه بأن البنتاغون يشكك في قدرة أوكرانيا على إستعادة أراضيها المحتلة في وقت قريب بالوسائل العسكرية، سيما أن بضع مئات الآلاف من العسكريين الروس يتواجدون الآن على الأراضي الأوكرانية. واستنتج الجنرال من الصورة التي رسمها بأن العمليات العسكرية سوف تتواصل، وستكون دموية وصعبة. وفي لحظة ما إما أن يتوصل الجانبان إلى التفاوض، وإما أنه سيتبلور مخرج عسكري ما..."في المستقبل". 


  




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها