السبت 2023/05/27

آخر تحديث: 06:27 (بيروت)

بريغوجين يتوعد روسيا بالثورة

السبت 2023/05/27
بريغوجين يتوعد روسيا بالثورة
increase حجم الخط decrease

 لا يمر أسبوع من دون أن يطلق يفغيني بريغوجين "طباخ بوتين" في الفضاء الإعلامي ما يجذب إليه إهتمام المتابعين لتطورات الحرب الأوكرانية. مواقع إعلامية عديدة شبهت كثرة إطلالات بريغوجين الإعلامية خلال الحرب الأوكرانية بمسلسل سانتا بربارة الأميركي الشهير الذي لا ينتهي. ومواقع كثيرة أخذت ترى بأن حضوره الإعلامي يتخطى حضور سيده بوتين، بل ويقول بعضها أنه يتهيأ لخوض الإنتخابات الرئاسية القادمة. خلال الأسبوع المنصرم أعلن بريغوجين عن سقوط باخموت النهائي. ولم يكن قد إنتهى الجدال حول هذا السقوط الإشكالي الذي لم تؤكده أوكرانيا حتى الآن، حتى أتبعه في 23 الجاري بنشر مقابلة عن "العملية العسكرية الخاصة" لا تزال تثير حولها فيضاً من التعليقات، ثم ما لبث أن أضاف مادة جديدة للتعليقات بإعلانه عن سحب مرتزقته من باخموت، من دون أن يحدد وجهتهم التالية. 

من الطبيعي أن تختلف مقاربة طرفي الحرب لكل من هذه الأحداث. فسقوط باخموت الذي اعتبرته التلفزة الروسية نصراً يقارن بسقوط برلين، لم تؤكده أوكرانيا، بل تقول أن قواتها لا تزال تخوض معارك شرسة في ضواحي المدينة. وكانت "واشنطن بوست" قد نشرت في 14 الجاري مقطعاً من وثائق البنتاغون المسربة يشير إلى أن بريغوجين إقترح على أوكرانيا الإنسحاب من باخموت مقابل الكشف عن مواقع القوات الروسية على الجبهة. لكن، وإضافة إلى نفي بريغوجين للأمر، رفض الرئيس الأوكراني في مقابلة مع مندوبي الصحيفة تأكيد علاقة بريغوجين بالمخابرات الأوكرانية، وقال بأنه يخشى التحدث بالموضوع مخافة محاكمته على إفشاء اسرار المخابرات، كما يقول موقع Meduza الروسي المعارض في 14 الجاري. 

على الرغم من كثرة التعليقات والنصوص بشأن إعلان بريغوجين عن سقوط باخموت وإنسحابه منها في 25 الجاري، إلا أن ذلك لا يقارن بما أثارته المقابلة التي استعرض فيها كل ما يفكر به بشأن روسيا وحربها على أوكرانيا. ودفعت إنتقاداته اللاذعة لإدارة الحرب على أوكرانيا وشتائمة المقزعة لقيادة وزارة الدفاع والنخبة الروسية الحاكمة، إلى تشبيهه بالمعارض السجين ألكسي نافالني. 

موقع spektr الإلكتروني الروسي المستقل، نشر في 24 الجاري ما رآه رئيسياً في مقابلة بريغوجين. المقابلة إنتشرت على المواقع الإعلامية تحت هاشتاغ "إجابات على الأسئلة المحرجة". وكسواه من المواقع، نشر الأحرف الأولى من كلمات بريغوجين البذيئة، واستبدل العنوان بتعابير من المقابلة: إفعلها للآخر، تحطيم إبن شويغو، مديح الجيش الأوكراني، 20 ألف قتيل من "فاغنر"، الرئيسي من مقابلة بريغوجين".

قال الموقع أنه خلال ما يقرب من ساعة ونصف الساعة من الحديث، تذكر "طباخ بوتين" من جديد إعدامات ستالين للضباط السوفيات ( كبار قادة الجيش السوفياتي عشية الحرب العالمية الثانية)، وأشار إلى خسائر "فاغنر". في المقابلة شكك بريغوجين عملياً بحاجة روسيا لغزو اوكرانيا، وقال بأنه إذا كان الروس يريدون إعادة أوكرانيا إلى "الحضن الروسي" ، عليهم تغيير قيادة السلطة الأوكرانية و"تقبيل مؤخرة" الأوكران واجتذابهم "نحونا". وبدل ذلك "عبرنا بفظاظة كل الأراضي الأوكرانية بالبوط العسكري، بحثاً عن النازيين". "بلغنا كييف، وبصراحة أقولها ... وانسحبنا. ثم جئنا إلى خيرسون ,,, وانسحبنا" .

بعد ذلك، يعدد بريغوجين المدن التي حاول الجيش الروسي إحتلالها وفشل، ورأى أنه لو كان ستالين على قيد الحياة لكان استخلص الإستنتاجات اللازمة  وأعدم 200 شخص". "لكن عندنا لم يتم إستخلاص أي إستنتاجات". وعلى خلفية جثث القتلى من مرتزقته، وبكلمات بذيئة، وجه أقزع الشتائم إلى وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان غيراسيموف. 

واعتبر بريغوجين أن نزع سلاح ونازية أوكرانيا الذي تحدث عنه بوتين في بداية الحرب لم يتحقق، بل كان له تأثير سلبي. ورأى أن الروس بدلاً من ذلك صنعوا من أوكرانيا أمة مشهورة في كل العالم، وأصبحت بلداً يعرفه الجميع في كل مكان، "هذا بشأن نزع النازية". أما بشأن نزع السلاح، فإذا كان لدى أوكرانيا في بداية الحرب 500 دبابة، أصبح لديها الآن 5000 دبابة. وإذا كان 20 ألف أوكراني في بداية الحرب يجيدون القتال، فقد اصبحوا الآن 400 ألف. 

وبعد أن يمتدح مرتزقته ويعتبرهم "افضل جيش في العالم"، يرى أن لدى أوكرانيا اليوم "أحد أقوى جيوش العالم". ويمتدح مستوى التدريب والتنظيم الرفيع لديهم، ويقول بأنهم يجيدون العمل على أي أنظمة سلاح، سواء كانت سوفياتية أو من أنظمة الناتو. 

يقول بريغوجين بأن "العملية العسكرية الخاصة" هذه "لسنا نحن من ابتدعها". "وإن كنا قد بدأنا القتال مع الجيران، فلنقاتل حتى النهاية". ولا ينسى أن يذكّر شويغو ببذخ إبنه ورحلاته إلى الإمارات العربية، ويوجه إليه الشتائم المقزعة مرة أخرى، من دون أن يوفر إبنه وإبنته هذه المرة. ويرى أن حياة البذخ التي يعيشها أبناء النخبة الروسية "قد تؤدي إلى الثورة كما في العام 1917، حين إنتفض الجنود في البداية، ثم انتفض المقربون منهم". ويقول بأن بذخ أبناء النخبة سيفضي بهم إلى أن يرفعهم الناس على "أسنة الرماح". ولا يوفر شتيمة بذيئة أخرى لهذه النخبة، وينصحها بأن تجمع أبناءها وترسلهم إلى الحرب. 

موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية نشر نصاً، تركه بالكامل لنصوص نشطاء المدونين والكتاب السياسيين الروس بشأن مقابلة بريغوجين. واختار للنص عنواناً استخلصه من آراء المدونين الذين رأوا في بريغوجين "مزيجاً من نافالني وموسوليني". وإذا كان إنتقاد بريغوجين للحرب على أوكرانيا وتهجمه على قيادة وزارة الدفاع وفساد النخبة الروسية وبذخ أبنائها، جعل البعض يقارنه بالمعارض ألكسي نافالني، فإن توقعه بإنتفاضة الروس ضد النخبة ورفع أفرادها "على أسنة الرماح"، جعل البعض الآخر يشبهه بموسوليني وتزعمه زحف الطليان الشهير على روما أواخر عشرينات القرن الماضي، والذي أوصله إلى السلطة. وإذا كان الفريق الأول يشتبه بميول ليبرالية لدى بريغوجين تمخضت عن إنتقاداته  وتهجماته على النخبة الروسية وتحميله القيادة العسكرية مسؤولية الهزائم في الحرب الأوكرانية، فإن الفريق الآخر يشتبه بطموحات بريغوجين الرئاسية التي دفعته للتودد للجنود وجماهير الروس وتحريضهم على الإنتفاض ضد هذه النخبة. 

موقع Kasparov الروسي المعارض نشر نصوص مدونات عديدة بشأن مقابلة بريغوجين، كان من بينها مدونة للصحافي الروسي مكسيم ترودالوبوف بعنوان "هذا ليس نحن، بل هم". الصحافي يعتبر بريغوجين دمية بوتين، وقال بأن مقابلته هي أولاً، محاولة لتحميل مسؤولية خسارة الحرب لوزارة الدفاع وشويغو شخصياً. وثانياً، هي محاولة لإعادة تثبيت صورة بوتين كزعيم شعبي "طبيعي".

وفي تفسير للمحاولتين، رأى الصحافي أن الأولى هي موقف مناهض للنخبة.  والثانية إندماج بالشعب من دون وسطاء. وقال بأن بريغوجين يبرئ بوتين من إشعال الحرب، بل "هم" ـــــ الأنكلوساكسون، الغرب. ومن خسرها "هم"، النخبة المعادية للشعب، والتي لم تمده بالذخيرة ويعربد أبناؤها في الإمارات العربية وشبكات التواصل الإجتماعي. 

ويقول الصحافي أن بريغوجين، وبعد سردية مناهضة النخبة، يتكلم عن الإتحاد مع الشعب الذي يتخطى النخبة. وفي سبيل هذا الإتحاد يتوسل الحديث عن القتلى، والشعب لن يسامح، وسوف ينتفض بالعشرات بل بمئات الألوف، ويريد أن يكون هو ممثل هذه الجموع. 

يوجز الصحافي رأيه بالمقابلة بالقول إنها تمثل مستويات جديدة من السخرية والوقاحة من جانب بوتين بلغة مجرم ( بريغوجين محكوم بالسجن لمدة 13 سنة أمضى منها 7 سنوات سجيناً). تلك هي الثقافة السياسية الروسية، والمغزى السياسي للمقابلة هو نفسه يتكرر "لست أنا". 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها