وَرَدت في خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله لمناسبة "عيد المقاومة والتحرير"، مجموعة من التصريحات التي من الضروري تسجيلها في السياسة اللبنانية. طبعاً أولها هو أن "من يشتبه بأن المعركة انتهت مع عدونا واهم"، أي أن الصراع مع إسرائيل متواصل ولن ينتهي، ومن الضروري عبوره لحواجز الأجيال المختلفة. صحيح أن نصر الله برر استمرار الصراع بوجود جزء محتل من الأراضي اللبنانية، لكن ذلك يتلاشى في ظل استراتيجية توحيد الجبهات، وربط المقاومة بالردع.
لهذا من المهم بالنسبة لنصر الله ومشروعه السياسي، إحياء هذه المناسبة "للأجيال الجديدة التي لم تواكب أحداث الاحتلال والاذلال والحواجز والمعتقلات والأذى المعنوي والجسدي ولم يشهدوا تجربة المقـاومة، بثباتها وتضحياتها ومظلوميتها، وهذه تجربة يجب أن يطلعوا عليها ومن مسؤولية الاعلاميين والمؤرخين والفنانين والعلماء الإضاءة على هذه المرحلة".
وهذا عملياً نداء لاستكمال وتكثيف عملية إعادة كتابة تاريخ الصراع مع مجموعات صهيونية وبعدها دولة إسرائيل والإحتلال المرتبط بها، علاوة على صقل رؤية مغايرة للتاريخ اللبناني بأسره على أساس محورية هذا النزاع. وهذا ما عكف عليه بالفعل كثيرون وأنتجوا كتباً تحت عناوين مثل "مئة عام من المقاومة"، وجلها يربط النزاع بالبعد الديني له وقيادة رجال الدين. كما ينطوي على إسقاطات تاريخية هائلة، وتركيز غير متوازن على أدوار وتيارات لم تكن بهذا الحجم، واغفال وقائع كثيرة. أهم هذه الوقائع أن الإسلام السياسي بصيغته الحالية، تنظيمياً وفكرياً ورؤية، هو ظاهرة حديثة وليس قديماً. وحقيقة أن مقاومة "حزب الله" اليوم باتت حدثاً تاريخياً لم يعشه الجيل الجديد من مؤيدي التنظيم، والواقعين تحت سطوته الفكرية والدينية.
الشق الثاني المهم في الخطاب الأخير لنصر الله، والذي من الضروري الالتفات اليه، هو تحول الخطاب في مواجهة إسرائيل، لجهة ربط النزاعات والتهديدات المختلفة. "ما يحصل داخل الكيان الإسرائيلي له تأثير مباشر على أمن لبنان وسلامته ... بعد الانسحاب من لبنان عام 2000 والانسحاب من غزة لم يعد هناك ما يسمى بإسرائيل الكبرى أو العظمى". توحيد الجبهات كسياسة أيضاً تتطلب ربطاً من هذا النوع في الخطاب السياسي، ليصير الوضع اللبناني على ارتباط بالفلسطيني بشكل كامل.
إسرائيل، وفقاً للخطاب، "باتت اليوم تختبئ خلف الجدران والنيران وتعجز عن فرض شروطها في أي مفاوضات مع الشعب الفلسطيني"، والسبب هنا هو تبدل الدور الأميركي: لم تعد هناك هيمنة أميركية على العالم، وباتت الأمور تتجه نحو عالم متعدد الأقطاب وهو ما يقلق إسرائيل". وأيضاً يعزو نصر الله السبب في ذلك الى وحدة الجبهات. بيد أن الصراع الداخلي في إسرائيل اليوم، مشهد "يُقابله تماسك وثبات في محور المقاومة"، وهذا سيتبلور في أن "الحرب الكبرى التي تتحدث عنها إسرائيل ليست مع اللبنانيين والفلسطينيين فقط، بل ستضيق ساحاتها بمئات آلاف المقاتلين وكل الحدود ستفتح". وهنا يُعدد نصر الله عناصر هذا التحول، مثل "فقدان القيادات المؤثرة في كيان العدو في مقابل الثقة العارمة بمحور المقاومة وقادته"، و"تطور القدرات المادية والعسكرية في قوى المقاومة كمّاً ونوعاً وهي في تطور دائم ومثال على ذلك ما نمتلكه في لبنان"، وأخيراً "تنامي قوة الردع لدى المقاومة في مقابل تآكل قوة الردع الإسرائيلية هو ما أظهرته عملية ثأر الاحرار في غزة". العنصر الأهم هو الأول، بيد أن الأمين العام للحزب لا يقصد بقوى "المقاومة" تلك اللبنانية فحسب، بل أيضاً الفلسطينية وربما العراقية واليمنية.
وهذا الخطاب محطة على طريق طويل في هذا الاتجاه سيزداد وضوحاً مع مضي الوقت، ويرفع من احتمالات الانصهار، وما بدأ كمقاومة محلية ضد احتلال ملموس، صار اليوم كائناً من الصعب تحديد أطرافه وارتباطاته الخفية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها