الأربعاء 2023/05/24

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

"الهوية المصرية" لم تحسم بعد؟

الأربعاء 2023/05/24
"الهوية المصرية" لم تحسم بعد؟
تريفينا باسيلي، مصرية مقيمة في أستراليا، "تبيّن" بالفحص الجيني أنها "مطابقة" لمومياوات العصر الصاوي الفرعوني "بنسبة 100%"!
increase حجم الخط decrease
"مَن أكون كمصريّ؟ هل أنا فرعوني أم إسلامي أم عربي أم كل هذا أو أكثر أو أقل...من؟". تأتي تلك الأسئلة ذات الصياغة الركيكة في منشور في الصفحة الرسمية للحوار الوطني المصري في فايسبوك، وذلك في سياق الإعلان عن مَحاور النقاش في أولى جلسات "الهوية المصرية". ولا يغيب عن مقرري الحوار، الإشارة إلى الجدل العام الحالي ذي الصلة، وذلك بتضمينه في المنشور نفسه، "سؤال غريب كليوباترا بيضاء أم سمراء؟". ويظهر أن الإفراط شبه الهوسي في التأكيد على عناصر الأصالة والديمومة والنقاء، كسمات محددة لتلك الهوية، يقترن في الوقت ذاته بالحيرة في شأنها، وإعادة التساؤل عن مرجعيتها، تكراراً، وكأن تلك الأسئلة تطرح للمرة الأولى.

ويترافق هذا مع هلع لا يقل إلحاحاً، يحدوه شعور بالهشاشة والوقوع في دائرة التهديد بشكل دائم، فتلك الهوية تبدو عرضة للتشويه تارة، وللاستيلاء تارة أخرى. وبشكل أكثر آنية، فإن واحداً من دلالات ذلك التوتر الهوياتي، هو عدم الاكتفاء بالإحالة المتكررة إلى حضارة السبعة آلاف سنة وبوتقتها القادرة على صَهر المدخلات الثقافية الوافدة، فنجد أنفسنا اليوم أمام رغبة ملحة لإثباتها وتأكيدها بالدليل العضوي المغلف بختم العِلمية، عبر ادعاءات الرابط الجيني الممتد من المومياوات الفرعونية إلى أفراد مصريين معاصرين، حد التطابق.


ومن جهة مداخلات المشاركين في الحوار وتصريحاتهم للإعلام، فالشعور بالتهديد هو الغالب أيضاً. على سبيل المثال، دعا ممثل حزب العدل المعارض، لتشكيل مجلس قومي للدفاع عن الهوية. أما الدكتورة درية شرف الدين، رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب، فطالبت بالتصدي لاستهداف الهوية الوطنية، و"خاصة الاستهداف الداخلي أولاًً"، وذهبت إلى ما هو أبعد من الدفاع، فصرحت أنه "يجب علينا أن نهاجم أي تهديد للهوية المصرية". تتكرر الإشارة إلى التهديد الداخلي، بالإضافة إلى العولمة والمثلية والإلحاد، وهي مخاطر تأتي من الخارج، بحسب المشاركين، وألمحت بعض المداخلات إلى هشاشة خاصة في المحافظات الحدودية، والبعض الآخر جاء على ذِكر المفاهيم "المغلوطة" حول الانتماء المصري.

ثمة تفسير رائج للعَود الدائم لمسألة الهوية في الساحة السياسية المصرية. وبحسبه، فإن اختلاق الصراع على المرجعية الوطنية يحرف النظر عن الصراع الطبقي، عبر التغطية على بُنى الاستغلال وعدم العدالة في توزيع الموارد والثروات. والحال أنه كلما احتدت مبررات الصّدام على أسس طبقية، كلما زاد الإلحاح على المسألة الهوياتية... ولعل مآلات الثورة المصرية كانت المثال الأوضح على تلك العلاقة الطردية، فالإمكانات الجذرية الكامنة في الثورة، قابَلها تصعيد محموم لموضوع الهوية، الإسلامية ضد غيرها، كمحور وحيد ومصيري للمواجهات السياسية، وكان من شأن هذا تفريغ المسار السياسي اللاحق من أي إمكانية لإحداث تغيير في البنى الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذه الحالة لعبت الطبقات الوسطى دوراً جوهرياً في ترويج الخطاب الهوياتي، كون تلك الطبقات أقل تضرراً من الأوضاع الاقتصادية القائمة، وفي الوقت ذاته تمتلك الأدوات والموارد الثقافية الكافية لتحويل الهوياتي إلى رأسمال معنوي لصالحها.

ولعل الدوافع وراء التصعيد الهوياتي الجاري، تتقاسمها السلطة ومحكوموها بأنصبة متفاوتة. فالتداعي الاقتصادي المتواصل بلا قاع، يفرض خوفاً معمماً من الانفراط، هذا الانفراط يتعلق بالموقع داخل التراتبية الطبقية وبتماسك المجتمع إجمالاً، وفي هذه الحالة قد تقدم الهوية الوطنية مجالاً مؤقتاً للطمأنينة أو لتفريغ القلق. أما في ما يخص السلطة، فهي لا ترى في السخط الجماهيري على الأوضاع الحالية سوى تفريط في الهوية، يمكن التصدي له، كما أشار ممثل التيار الإصلاحي الحر المشارك في الحوار الوطني، بوضع الهوية على قدم المساواة مع "الانتماء والولاء وتأكيد دور القائد".
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها