الأربعاء 2023/05/17

آخر تحديث: 06:49 (بيروت)

بقية العالم في "يوروفيجن"

الأربعاء 2023/05/17
بقية العالم في "يوروفيجن"
المشاركة البريطانية ماي مولر في "يوروفيجن" 2023 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
للعام الثاني على التوالي، تُحرم روسيا من منافسات "يوروفيجن"، ويأتي ذلك على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وحملة المقاطعة الغربية الفعالة وشبه الشاملة لموسكو. وينسحب الحرمان أيضاً على بيلاروسيا، التي، وإن كانت غير متورطة بشكل مباشر في الحرب، فإن قربها السياسي من موسكو كان كفيلاً بتضمينها في لائحة النبذ. هذه الدورة، أدخلت على المسابقة تعديلاً يسمح بجمهور الدول غير المشاركة، أو ما يطلق عليه "بقية العالم" بالتصويت في المنافسة. بشكل غير مباشر، يُحرم الجمهور الروسي من هذه المشاركة السلبية أيضاً، وذلك لسبب آخر هو أن مقدمي خدمة الدفع مقابل التصويت عبر الرسائل النصية أو الاتصال الهاتفي انسحبوا من السوق الروسية.

بحسب القواعد، كان من المفترض أن تستضيف أوكرانيا- الفائزة بالدورة الماضية- فعاليات المسابقة هذا العام، وحالت ظروف الحرب دون ذلك، واستضافتها مدينة ليفربول الإنكليزية بدلاً منها. لا تغيب الحرب مع هذا، فقد طالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بإلقاء كلمة موجهة لعشرات الملايين من المتابعين للمسابقة الشهيرة حول العالم. إلا أن اتحاد الإذاعات الأوروبية، وهو الجهة المنظمة للمسابقة، رفض الطلب وأصدر بياناً يؤكد التزامه بإبقاء الفعالية الترفيهية الأشهر في العالم بعيدة من السياسة، وبعدم السماح بأي "خطاب يتجاوز الموسيقى".

تتجاوز أوروبا حقبة السِّلم، أي أعوامها الهادئة التي بدأت عملياً في مطلع عقد الثمانينيات، بفعل تراجع الخطر الأحمر وفتور الحرب الباردة. ومعها تتجاوز المؤسسات الغربية منطق نزع التسييس عن الترفيه والفن، أو بالأحرى تتعثر في تناقضاته. فترسيم حدود هذه الحقول منفصلة عن السياسة، طالما وجد مبرراته في حجتين. فمن حيث إن السمة المميزة للترفيهي والفني هو أن يكون الواحد منهما هدفاً في حد ذاته، بلا غاية تتجاوزهما، فإن تدخل السياسية وحساباتها في هذه الحالة قد يفسد تلك السمة المعرّفة لهما. هذا بحسب منطق المتعة الخالصة. أما بحسب منطق آخر مثالي، أو يمكن القول إنه أكثر مثالية، فثمة إيمان بتسامٍ للإبداعي واللعبي فوق محددات السياسة الضيقة. ذلك التسامي ليس مجرد حكم قيمة، أي أنه لا يكتفي بوضع الفني مثلاً فوق السياسي، بل أيضاً يرتجي في الإبداع ملجأ من السياسة ولو مؤقتاً، وخلاصاً منها، وربما حلاً لها.

ما يتضح هو أن ذلك الفصل هو نوع من الامتياز، لا يستحقه أو يستمتع به غير المنتصرين والمتنفذين، ودائماً ما تسيره انتقائية مؤسسة على موازين القوة القائمة. فدورة العام الماضي التي فازت بها أوكرانيا، على الأغلب من باب التضامن المستحق، عُقدت من باب المفارقة الساخرة وغير المقصودة، في تل أبيب. وذلك على الرغم من كل دعوات المقاطعة. وحينها رفع الفريق الأيسلندي أوشحة بألوان العلم الفلسطيني في التصفيات النهائية، ومن ثم تم تغريمهم من قبل الهيئة المنظمة. وهذا العام أيضاً، وبينما كانت الغارات الجوية مستمرة في غزة، شاركت إسرائيل كالعادة، وحلت ثالثة في المنافسات بفضل تصويت الجمهور.

وإن تجاهلنا تلك الانتقائية الصارخة، تظل "يوروفيجين" مثل غيرها من الاحتفالات العالمية، مسيّسة بشكل كامل وعميق، لأسباب هيكلية. فصفة العالمية الملصقة بها تكون كالعادة مرتبطة بالمركز الغربي وقاصرة عليه مع بعض الاستثناءات القليلة. فالغربي هو العالمي بالضرورة، ومعياره. وتلك النسبة إلى الغربي تكون موضوعاً للفرز والاستثناء والضم بشكل دوري، بحيث يمكن ضم البعض إلى المركز، كمكافأة أو اعتراف، ويعاقب البعض الآخر بالنفي إلى الخارج، إلى لائحة دول "بقية العالم"، فغير الغربي هنا يعرف بالسلب. وأحياناً يكون من حق "بقية العالم"، أن يكون مشاهداً وفي وضع التلقي السلبي، أو أن يُمنح الحق في التصويت، لكنه لا يملك أبداً أمتياز التنافس أو الفوز. أي، وكالعادة تكون بقية العالم جزءاً من العالم وخارجه في آن.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها