الأحد 2023/05/14

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

سوريّة ولبنان في مسْتَهَلِّ الانتداب: صُوَرٌ من كتابٍ مَنْسيّ(2)

الأحد 2023/05/14
سوريّة ولبنان في مسْتَهَلِّ الانتداب: صُوَرٌ من كتابٍ مَنْسيّ(2)
الفيلق الأجنبي الفرنسي، سورية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعد حلقة أولى عن كتاب الكاهن أميل وترلي É. Wetterlé الصادر في باريس، سنةَ 1924، والذي يسرد وقائعُ رحلةٍ متلاطمةِ الأحداثِ قامَ بها مؤلّفهُ في عدادِ وفدٍ في خريف 1922 إلى سوريّة ولبنان، هنا الحلقة الثانية والأخيرة:

يعلنُ أميل وترلي خيبةَ أملِه في بيروت قبلَ أن يَطأَ أرضها! يصدُمُه ما يشاهده منها وهو يدخلُ المرفأ: سطوحُ القرميد وزِيُّ العَمَلِ الأوروبيُّ لحمّالي المرفإ وندرةُ الطرابيش على ما يستقبل القادمين من رؤوس، إلخ! لا يكتم وترلي، من غير أن تفوتَه علاماتُ الفقرِ في المشهد، أنّه لم يحضر ليرى ما يشبه "كانّ" أو "سيتّ". ولكنّ هذه الشعور الأوّل، وهو لا يعدو أن يكون مثالاً أوّل لمزاج المؤلّف "الاستشراقيّ" وميلِه إلى التنميط والقولبة، لا يلبثُ أن يغورَ في سيل "محاضراتِ" التعريف وزيارات التفقّدِ لمرافق الأعمال ومؤسّسات الصحّة والتربية وما إليهما، وفي مسلسلِ المآدب والخُطَب، وفي ماجريات التنقّل الدائب بين العاصمة وسواها: عاليه حيث يصطاف غورو وصوفر حيث يولم للوفد حبيب باشا السعد رئيس "المجلس التمثيليّ" وهذا بعد أن جمعتهم مأدبةُ حاكم لبنان الفرنسيّ ترابو بوزراء لبنانيّين فاستمعوا إلى خطبٍ بالعربيّة...

هذا النوع من الوقائعِ أو المفاصلِ سيبقى ملازماً لإقامة الوفد في لبنان وفي سوريّة ثمّ في فلسطين، بعدَ انتهاء المهمّة، حتّى بدءِ رحلةِ العودةِ من بور سعيد: مآدبُ وخطبٌ وتفقّدٌ وتدشينٌ وسياحة. وهذا في محطّاتٍ مذهلةِ الكثرة. فمن بيروت وبعضِ الجبل اللبنانيِّ وبعض البقاع، انتقل الوفدُ إلى دمشق. ومن هذه إلى حمص فإلى حلب ثمّ إلى حماه رجوعاً فإلى بلادِ العلويّين التي استكثرَ الوفدُ فيها من المحطّات وقصدَ بعدها طرابلس ثمّ الديمان في زيارةٍ للبطريرك المارونيّ. بينَ أواخرِ المحطّاتِ أيضاً قلعةُ المرقب ثمّ هياكل بعلبك. وفي عودٍ على بدءٍ، اختُتِمت مهمّة الوفدِ في بيروت. وكان قد فاتهُ، بعد هذا كلّه، النصفُ الجنوبيُّ من لبنان. ومن سوريّةَ فاتهُ جنوبُها أيضاً وفاتتهُ الباديةُ والجزيرة... وأمّا زيارةُ فلسطين (قبل ركوبِ البحر من مصر) فكانت أشبهَ بحجٍّ أدّاهُ الكاهنُ شُفِعَ بفرصةٍ أخرى لذمِّ الإنكليز، أصحابِ الأمرِ هناك، ولهجاءِ حلفائهم الصهاينة...

لم تزد مدّةُ الإقامةِ في لبنان وسوريّة عن أسبوعينِ، مساويةً تقريباً ما كان استغرقَهُ سفرُ الباخرة من مرسيليا إلى بيروت. وهي مدّةٌ امتزجت فيها السياحةُ التقليديّةُ بتعرّفِ الأحوالِ والمطالبِ مع غلبةٍ لما هو فرنسيّ المنشإ: من العملةِ الجديدةِ إلى مدارسِ الإرساليّاتِ ومزرعةِ اليسوعيّين في تعنايل وكلّيتِهِم في بيروت، إلخ. بل إنّ بعضَ الجاليةِ الفرنسيّةِ لا يبدو بعيداً عن الافتراضِ أنّ الوفدَ إنّما جاءَ يتفقّدُ أحوالها هي، بالدرجةِ الأولى، لا أحوالَ البلادِ، وأنّ الصلةَ بينها وبينَ الوفدِ ينبغي لها أن تبقى حرّةً ومباشرةً فلا تخضعُ لوصايةِ المفوّضيّةِ السامية أو لمصادرتها. تلك إشارةٌ خاطفةٌ إلى منطلقٍ أساسٍ لعلاقةِ الجاليةِ بالبلادِ التي حلّت فيها بشراً وحجراً... ولكن يظهرُ أنّ الوفدَ نفسه لم يلتفت إلى رغبةِ مواطنيه أولئك في الاستئثار باهتمامه.

واللبنانيّون؟ والسوريّون؟ أكثرُ ما نراهم، في الكتاب، ناشئةً مشمولةً بالعناية الفرنسيّة في مؤسّساتِ التعليمِ وما جرى مجراها: لا ينافسُ حضورَهُم هذا سوى ظهورِهم المتكرّرِ على الطرقاتِ أو في الساحاتِ مؤدّينَ العراضاتِ التي يحسنونها احتفاءً بالوفد، خصوصاً حين يكونُ هذا الأخيرُ بصحبةِ الجنرال غورو. وهذا إلى حضورٍ لأعيانٍ مختلفي المواقِعِ في المحطّات. لا يظهرُ من أثرٍ حيثُ يحلُّ الوفدُ أو حيثُ يمرُّ لمعارضةٍ ما يستثيرها الاحتلالُ الفرنسيُّ أو سياستُهُ وإن نمَّ بعضُ عباراتِ الأعيانِ برغبةٍ لا إلحاحَ فيها ولا استفزازَ في زيادةِ أنصبتِهِم من سلطةِ الحكمِ وتصريفِ شؤونِ البلادِ وأهلِها. وإذ يستغرقُ هذا التسليمُ المصحوبُ بتهليلِ العوامِّ وبرقصِ المهلّلينَ وزغاريدِ نسائهِم مساحةَ الصورةِ التي يعرضها الكتابُ لمسلكِ الأهالي ومواقفِ أعيانِهِم، يجِدُ الكتابُ نفْسَه في موقعِ مواجهةٍ للتآليفِ المتأخّرةِ التي خصَّ بها لبنانيّونَ أو سوريّونَ تلك المرحلةَ. إذ تُبْرزُ هذه الأعمالُ، أكثرَ ما تُبْرِزُ، معارضةً تنوّعت قواها وواكبَت بأنواعٍ مختلفةٍ من القولِ والفعلِ مسارَ الاحتلالِ والانتدابِ، وإن تكُنْ الأعمالُ نفْسُها لا تُخْفي وجودَ قوىً أهليّةٍ أخرى (تَغَيّرَ قُوامُها أيضاً من محطّة إلى أخرى): قوىً حظيَ منها ذلك المسارُ نفْسُه بالولاءِ والتعاون.

في هذه المواجهةِ، لا يكفي تعارضُ المواقعِ لتعيينِ جهةٍ تُحصَرُ فيها حقائقُ التاريخ. بل إنّ هذا التعارضَ ينبغي لهُ أن يَكونَ حافزاً للتمهّلِ وللتحرّي لا للاستعجالِ في إهمالِ الوقائعِ بحجّةِ تحكّمِ الموقعِ (وإن يكن مؤكّداً) في تعيينِ ما تبرزه من الوقائعِ كلٌّ من جهتي المواجهة. يَعْرضُ وترلي صورةً مشْكلةَ المعاني لهذا المسلسلِ الاحتفاليِّ بسلطةٍ محتلّةٍ تَفْرضُ نفْسَها على أنّها محرّرةٌ وتبدو، في ترويجِها هذه الصورة لدَوْرِها، غيرَ خاويةِ الوفاضِ من التأييدِ الأهلي. ولا يبدّلُ من هذا الواقعِ كثيراً أن يتّخذ هذا التأييدُ، في بعضٍ من لحظاته، صوراً تُراوحُ ما بيْنَ تذلُّلٍ ونفاقٍ كلاهُما ظاهرُ السذاجة.

لا يُبْدي وترلي ارتياباً من التكرارِ الرتيبِ لمَظاهر الولاءِ هذه بما فيها من صخبٍ يبتغي استيقافَ صاحبِ السطوةِ واستدراجَ إعجابِه أو رضاه. ولكنّه يشدِّدُ بينَ حينٍ وآخر على كثرةٍ ما في هذا المشرقِ من فَوالِقَ تُفَرّقُ الجماعاتِ الكثيرةَ بعْضَها عن بعْضٍ وتَحْضرُ فيها مذاهبُ الأديانِ وعصبيّاتُ العشائرِ واختلافُ أنماطِ العيشِ باختلافِ المواقعِ. وهذا مع ما يفرضُهُ نموُّ المدنِ من تداخلٍ واشتباكٍ ومع صمودِ الزراعةِ، بما ينتَظِمُها من ملكيّاتٍ كبيرةٍ، صيغةً رئيسةً للعيشِ ومع الحضورِ المستمرِّ للباديةِ ولبَدْوِها. من لوحةِ الفسيفساءِ هذه، يخلُصُ وترلي إلى ضرورةِ البقاءِ المديدِ للدورِ الفرنسيِّ الذي يراهُ "تربويّاً" بالدرجةِ الأولى. وهو يرى مآلاً لهذا الدور تنميةَ الرابطِ الوطنيّ ما أَمْكنَ في ما يتعدّى الشُقوقَ الماثلةَ، فضلاً عن التدريب على التنظيمِ الحديثِ لأجهزةِ الدولةِ ومؤسَّساتِ المجتمع. على أنّهُ يرى هذا كلَّه بعيدَ المَنال فيقدّر أنّ الدَوْرَ المشارَ إليهِ موعودٌ بعمرٍ طويل. ودليلُه الأوّلُ إلى هذا الترجيحِ حالُ الناشئة: ففي لبنان وسوريّة معاً يرتادُ المدارسَ أربعونَ ألفَ تلميذٍ فيما يَفْتَرَضُ وترلي أنّه لا بدَّ من رَفْعِ هذا العددِ إلى ستمائةِ ألفٍ حتّى تحوزَ البلادُ ما يكفي من الأهليّةِ للقبضِ على مقاليدِ مصيرها. في هذا الصدد، لا يفوتُ المؤلّفَ (وهو الكاهنُ) أن يُعَبِّر عن يقينِه بأنّ عَلْمانيّةَ المدرسةِ الفرنسيّةِ ليست للتصدير. بل إنّه ينبغي تيسيرُ اجتذابِ المرشّحينَ للكَهْنُوتِ في فرنسا سَدّاً لحاجةِ الإرساليّاتِ إلى معلّمينَ، وينبغي أيضاً تفهّمُ حَمِيّةِ المسلمينَ الدينيّةِ طلباً لكَسْبِ ولائهم.

هذا والمؤلّف، إذ يتأمّلُ المسارَ العاصفَ الذي وجدَه موشكاً على الإفضاءِ إلى تثبيتِ الانتدابِ بعدَ مباشرةِ هذا الدَوْرِ الذي رسَمَتْه فرنسا لنفْسِها ثمّ رسَمَتْه لها صيغةُ الانتدابِ المسمّاةُ “A”، يميلُ إلى اعتبارِ الدَوْرِ المذكورِ صفقةٌ خاسرةٌ: مؤقّتاً على الأقلّ. ففرنسا تكادُ لا تجني منه ربحاً – في ما يرى المؤلّف – سوى الأمانةِ لما تَعدُّه رسالةً لها والامتثالِ لأمَلِ الشعوبِ الضعيفةِ فيها. وهي قد بذَلَت مواردَ وضحّت بجنودٍ وعتادٍ توصّلاً إلى الموقعِ الذي باتت تَشْغلُه. على أنّ وترلي لا يفوتُه، إذ يذكُرُ الجنودَ، أن يشيرَ إلى أنّ مُعْظَمَهم من أبناءِ المستعْمَراتِ ولا يَمْنعُه ذِكْرُ المَواردِ المبذولةِ من التنويهِ بما تزخرُ بهِ البلادُ السوريّةُ من وعودٍ عاجلةٍ أو آجلةٍ للمستثمرينَ الفرنسيّينَ إذا هُم أَقْدموا…

وفيما تُنْفِقُ فرنسا ما في الجيبِ مستبشرةً بما في الغيبِ، لا يبلُغُ مسمعَ وترلي اعتراضٌ أهليٌّ ما على تقسيمِ سوريّة إلى خمسٍ من الدولِ وأشباهِ الدولِ تَجْمَعُ بينَ اثنتينِ منها صيغةٌ فدراليّةٌ ويضافُ إليها نظامٌ خاصٌّ بالبدوِ وآخرُ لسنجقِ الإسكندرون وثالثٌ للمناطقِ العسكريّة... فرغبة لبنان في الاستقلالِ معلومة. والفصلُ بينَ دمشق وحلب يجِدُ مسوّغَهُ في التحاسدِ التقليديِّ بين المدينتينِ، وقد لطّفَ منهُ "اتّحادٌ" لاحقٌ رخوُ المفاصل. والدروزُ والعلويّونَ (وقد انفردَتْ كلٌّ من جماعتَيهِما ب"بلادٍ" لها) تأبيانِ كلَّ الإباءِ – في قولِ المؤلّفِ – الالتحاقَ بالدولتينِ "العربيّتَيْن". وفي هذا كلِّهِ إقرارٌ لفرنسا على ما ارتأَتْهُ وسببٌ للتمسّكِ بظلِّها المبسوطِ على سوريّة بأَسْرِها.

وأمّا أنّ هذه الخريطةَ المتشقّقةَ قد خرجَت من مرحلةِ رفضٍ سياسيٍّ ومقاومةٍ بالموقِفِ وبالسلاحِ ووجِها بأشدِّ القمعِ فواقعةٌ لا تَظْهَرُ منها آثارٌ تُذْكَرُ في روايةِ وترلي. وإنّما يقتصَرُ أثرُ المرحلةِ الفيصليّةِ في برنامجِ الوفدِ على وقفةٍ استذكاريّةٍ في ميسلون يصحبُها شرحٌ مختزلٌ جدّاً لما جرى ينالُ منْهُ الإنكليزَ رشاشٌ مقذعٌ ويسوَّغُ فِيهِ اقتلاعُ فيصل بأسبابٍ ليس أقلَّها حجبُ استخدامِ السكّةِ الحديدِ عن القوّاتِ الفرنسيّةِ التي كانت محتاجةً إليه في إبّانِ القتالِ على جبهةِ كيليكيا. بقيّةٌ أخرى من بقايا المقاومةِ يمثِّلُها الشيخُ صالح العلي قائدُ "ثورةِ العلويّينَ" المهزومةِ وقد اسْتَحْضَرَهُ غورو إلى  موعدٍ مع الوفدِ في الريفِ العَلَويِّ وراحَ يذكّرُهُ بمَن قُتِلوا بتدبيرٍ مِنْهُ من جنودِ فرنسا مردفاً أنّ الأخيرةَ كريمةٌ تعفو عن أعدائها إذا هُم آبوا إلى الإخلاصِ التامِّ لها. اسْتَقْبَلَ الثائرُ السابقُ هذا الخطابَ المستفزَّ بالشكرِ على المدارسِ التي تجلبُ المدنيّةَ وعلى الطريقِ التي كانت حلماً قديماً فشُقَّت في أربعةِ أشهرٍ وعلى الأمانِ الذي عَمَّ بلادَ العَلَوِيّينَ ساحلاً وجبلاً... فكانَ من هذا "الحوارِ" أن اسْتَدْرَجَ تصفيقَ الوفدِ وفَرَضَ فَتْحَ قناني الشمبانيا ختاماً! إشارةٌ أخيرةٌ إلى ثغرةٍ كانت لا تزالُ تستحضرُ أشباحَ الماضي القريبِ: وهي أنّ الوفدَ الذي لم يتْرُكْ هيكلاً رومانيّاً ولا قلعةً صليبيّةً إِلَّا وجالَ فيها ولا جامعاً أمويّاً، فَضْلاً عن الكنائسِ الأثَريّةِ، إلّا وتَمَلّى من مَعالِمِهِ، لم يتمكَّنْ من زيارةِ تَدْمُر لأنّ البدوَ كانَ لا يزالُ يَسَعُهُم قطْعُ الطريقِ إليها هنا أو هناك. معنى هذا أنّ نوري الشعلان الذي اشترى الفرنسيّونَ ولاءَهُ بمرتَّبٍ لم يكُنْ ظلُّهُ مبسوطاً على الباديةِ كلّها.

بَعْدَ ميسلون بسنتينِ، كانت سلطاتُ الانتدابِ قد بذلَت جهداً لإنهاضِ البلادِ من وهدةِ الحربِ مكرّسةً معظمَ طاقتِها للمدارسِ وللطرُقِ: المدارسُ لنشرِ اللغةِ وحمولتِها والطرقُ لنَشْرِ العسكرِ وتيسيرِ المبادلات. وهو ما وقَفَ الوفدُ عليه وعلى سواهُ من معالمَ وشؤونٍ أجملَها وترلي في كتابِه. على أنّ الثغراتِ في اللوحةِ بقيَت عصيّةً على النكران. فلم يَكُنْ سهلاً أن لا يَرى الوفدُ ما يلبسُهُ جمهورُ المحتفلينَ بهِ من أسمالٍ أو ما يخلِّفٌهُ المطر من مستَنْقَعاتٍ ووحولٍ في أزقّةِ المُدُنِ والقرى. ولم تكُن الحماسةُ لخيولِ البدوِ العربيّةِ أو للحمارِ الذي يقودُ قافلةً من الجمالِ كافيةً لحَجْبِ واقعةٍ من قَبيلِ أنّ حمص كانت لا تزالُ تشربُ من مياهٍ تعبثُ بها الدوابُّ ويبولُ فيها الأطفالُ ويتَغَوَّطونَ وأنّ الوفدَ نفسَهُ شربَ منها! حتّى لبنان يصفُهُ واحدٌ من بَنيهِ للمؤلّفِ بأنّه "بلادٌ فقيرةٌ متخمةٌ بالمال!"، إلخ، إلخ. يميلُ وترلي إلى القوالبِ، ما تعلّقَ منها بالنساءِ أو بالطوائفِ والبدوِ أو بالجمالِ والخيولِ ويرسمُ لنفْسِهِ عالَماً يُحْسِنُ التجوّلَ فِيهِ ويكادُ يخلو ممّا يفاجئُهُ مع أنّهُ لم يسبق لهُ أن زارَه. ولكنّ الكتابَ ينطوي على رغبةٍ في الإنصافِ ويسجِّلُ إعجابَ مؤلِّفِه بكثيرٍ من مزايا الناسِ والبلادِ ويبقى راغباً في نوعٍ من المزاوجةِ العسيرةِ بين استعلاءِ المحتلِّ القويِّ واحترامِهِ الأهلينَ ديناً ودُنْيا، تاريخاً وحاضراً. وإنّما يفرضُ هذا الكتابُ على قارئهِ أن يجتنبَ سَجْنَ مؤلِّفِهِ في قالبٍ جاهزٍ على الرغْمِ من شدّةِ الإغراءِ الملازمِ لهذا الموقف.   
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها