الجمعة 2023/05/12

آخر تحديث: 09:44 (بيروت)

"الملكة كليوباترا": وثائقي ممل ودراما رديئة

الجمعة 2023/05/12
"الملكة كليوباترا": وثائقي ممل ودراما رديئة
وثائقي "الملكة كليوباترا" على نتفلكس
increase حجم الخط decrease
تتطلب مشاهدة الحلقات الأربع من "الملكة كليوباترا" قدرة على الاحتمال وصبراً أطول بكثير من مدتها التي تقارب الثلاث ساعات.

"وثائقي" نتفلكس المرتقب منذ الضجة التي أثارها الإعلان عنه خرج إلى المنصة، قبل أيام بتوقيع المنتجة المنفذة جادا بينكيت سميث، تماماً كما تمناه المصريون المعترضون على تقديم الملكة الأخيرة سوداء البشرة. خرج وثائقياً رديئاً، ودراما أردأ.

يبدو العمل، في الشكل، عودة إلى جذور الوثائقيات. أكاديميون متخصصون يحللون، وممثلون شبه مجهولين يؤدون أدوار الشخصيات التاريخية محور العمل. الأكاديميون رووا حكاية السيدة التي جرت معها من خمسين إلى ثلاثين سنة قبل المسيح، من البداية حتى النهاية، مختصرة، ومكررة، ومملة. النقاش حول عرق كليوبترا لم يتطرق إلا إلى إجماع بأنها من أصل مقدوني يوناني، لكن دمها قد يكون اختلط بألوان أخرى. التأكيد العلمي الوحيد أوردته البروفسورة الأفريقية الأميركية شيلي هيلي يعود إلى جدتها التي قالت لها في طفولتها إلا تصدق مدرستها. فالجدة كانت حاسمة بأن كليوباترا سوداء. الباحث الشاب إسلام عيسى قال من جهته ما قد يبدو حلاً مريحاً للجميع: يمكن لكل واحد فينا أن يتخيل كليوباترا كما يريد. وإسلام يتخيلها مثله، ببشرة سمراء وشعر أجعد.

قضي الأمر بناء على هذين الرأيين، فكانت كليوباترا ووالدها، وشقيقاها، وشقيقتها، وأربعة أولاد جلبتهم من يوليوس قيصر ومارك أنطوني، ومساعداتها، وكثير من المصريين في الشق الدرامي، من السود.

لا بأس. هكذا قررت جايدا. العمل هو من سلسلة ملكات أفريقيات تقدم من خلالهن الممثلة والمنتجة صورة المرأة السوداء القوية، المثال. هكذا تُرجمت كليوباترا بدورها. امرأة أفريقية مثقفة قوية مستقلة محاربة ذكية جميلة وندّ للذكور لا فرق إن كانوا أشقاءها أو قادة رومانيين. في سبيل هذه الصورة الموضوعة مسبقاً للسوبر وومان، جرّدت الدراما البطلة من شخصيتها المركّبة وتاريخ عائلتها الحاكمة وجعلتها أشبه بنجمة كرتون متفوقة في كل ما تفعل، إن في وطنيتها أو أمومتها أو قدرتها على خطف قلبي يوليوس قيصر وزميله مارك أنطوني. وانقسمت الحبكة بين الخير متمثلاً بالملكة ومن معها، والشر الذي تتبرع الكاميرا بتقديمه لنا على طريقة المسلمين وكفار قريش في المسلسلات الدينية. والشر هنا يبدأ بشريكها في الحكم، شقيقها وزوجها في آن، بطليموس، كما شقيقتها التي تقدح عيناها شرراً كلما نظرت إلى الكاميرا، والقادة والمستشارين الرومانيين الذين عادوها، وأغسطس الذي اقتصر دوره إلى ما قبل النهاية بقليل، على نظرات الوعيد والتهديد. ومع أن كليوباترا قتلت أشقاءها الثلاثة أو تآمرت على قتلهم، جرياً على عادة أفراد أسرتها الحاكمة طوال ثلاثة قرون، ومع أنها خذلت حبيبها وزوجها وتركته في عرض البحر وفرت باسطولها وتركته يُهزم وحده، يفترض بالمشاهد أن يظل وفياً في انحيازه العاطفي للملكة. بناء على ماذا؟ على مواقف وحوارات شديدة الأمركة، يبدو فيها يوليوس قيصر كأنه يتجادل مع كليوباترا في حديقة بيتهم في تكساس بينما يشوي شرائح الهوت دوغ. نقاشات حول أحداث سيتغير التاريخ معها، تؤدى بلغة زوجين يتناقشان حول من سيأخذ الطفل إلى تمرين كرة القدم. وفي الوقت المستقطع بين حدث كبير وآخر، مثل حرب كبيرة تنشب، أو لقاء بعد طول غياب بينها وبين أحد حبيبيها، تنتقل بنا الكاميرا، كما في الأفلام الرومانسية، إلى الفراش حيث يوثّق الوثائقي العاشقين وهما يمارسان الحب، أو يتمددان عاريين يفكران في ما ستؤول إليه أحوالهما وأحوال هذا الصراع الهائل، أيضاً، كما لو أنهما يناقشان فاتورة الكهرباء.

ما يفترض به أن يكون وثائقياً يستحق الضجة التي أثيرت حوله قبل عرضه خرج أقرب إلى خليط من بوكاهانتس ديزني و Fifty Shades of Grey. حوارات ركيكة كتبت من دون أي جهد في البحث. تمثيل وإخراج رديئان. انتاج متواضع الشح واضح في ميزانيته من مواقع تصوير وديكورات وأزياء وخلافه مما لا نعلم دقتها التاريخية أصلاً ما دام العمل كله أشبه بفانتازيا. رواية لسيرة كليوباترا، بغض النظر عن لون بشرتها، مجتزأة وفي غير سياقها التاريخي، اختصرت إلى مجموعة من قصص الحب والفداء للوطن ولقائدين رومانيين وسلسلة من الصدف السيئة أدت في نهاية الأمر إلى هزيمة وانتحار. ما المختلف الذي يبرر انتاج هذه "الدكيودراما"؟ حسناً، الملكة هنا ليست إليزابيث تايلور والمصريون ليسوا محض أوروبيين. هي هنا ملكة أفريقية فحسب. لكن أفريقيتها هذه لا تضيف معنى للإرث الذي يبنيه الأفارقة الأميركيون أو يحاولون، حين يكون المنتج إلى هذه الدرجة "هوليوودياً" بالمعنى المحض تجاري للانتاج الأميركي، الذي يستسهل التنميط ويعبث بالتاريخ ويسطحه تماماً في سبيل آكشن من النوعية السيئة. منتج ليس مطلوباً منه إلا إضافة صورة لكليوباترا كأفريقية على نتفلكس التي لم يعرف عنها أنها مرجع تاريخي، عدا عن أن الملكة كما قُدمت يفترض في المعايير الحديثة ألا تكون مثلاً يحتذى لمطلق امرأة، إلى أي عرق انتمت.
قبل العرض، أثارت جادا بينيكت سميث نقاشاً حول الوثائقي لا شك أنه صب بشكل أو بآخر في مصلحته. بعد العرض المخيب للآمال، تحققت معلومة قيّمة جداً أورثتها جدّة أميركية لحفيدتها. ماذا أيضاً؟ لا شيء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها