الخميس 2023/05/11

آخر تحديث: 07:08 (بيروت)

شيرين أبو عاقلة..تهز السردية الاسرائيلية في اميركا

الخميس 2023/05/11
شيرين أبو عاقلة..تهز السردية الاسرائيلية في اميركا
increase حجم الخط decrease

إحتلت الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة، حيزًا مرموقًا في الإعلام الأميركي، ولم يفلح العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة ولا تسارع الأحداث في المنطقة في طمس المناسبة أو التقليل من التغطية المهنية التي ركزت على إمعان الاحتلال في انتهاك الحريات واستهداف الصحافيين دون محاسبة، في انعطافة واضحة في التعامل مع إسرائيل التي تحظى بتعاطف ودعم أميركيين يخضعان مؤخرًا لإعادة نظر عميقة في أوساط مؤثرة كانت تتعامل معها كزوجة القيصر، أي فوق الشبهات.

ففي خطوة لم تكن تخطر على بال حتى وقت قريب، نظّم نادي الصحافة الوطني، أكبر وأعرق مؤسسة مهنية أميركية بالتعاون مع المعهد الوطني للصحافة (The National Press Club Journalism Institute) ندوة في مقره الرئيسي في العاصمة الأميركية خصصها لإحياء الذكرى تحت عنوان "العدالة لشيرين أبو عاقلة" تشارك فيها رئيسة النادي ايلين اورايلي، الناشطة العربية وابنة شقيق شيرين، الزميلة لينا أبو عاقلة، ومدير مكتب الجزيرة في واشنطن عبد الحميد فقرا، وقال النادي والمعهد في بيان الدعوة أن شيرين "مواطنة أميركية وينبغي أن يحظى موتها بتحقيق كامل" وأشار الى ان "تعاون الحكومة الإسرائيلية كان محدودًا وغير كافٍ، ولا أحد تعرض للمحاسبة" وطالب حكومتي واشنطن وتل ابيب بتحقيق شامل. وكان النادي الذي منح شيرين جائزة الرئاسة العام الماضي، لعب دورًا بارزًا في الضغط على الحكومة الأميركية لفتح تحقيق مستقل في حادثة قتل شيرين.

وتحت عنوان" سنة على مقتل صحافية، تقرير يكشف عن التقاعس الإسرائيلي" نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالًا مطولًا استهلته بالقول: "بعد سنة على مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة على يد جندي إسرائيلي على الأرجح، اثناء مداهمة للجيش في الضفة الغربية، لم يتم الادعاء على أحد أو تأديب أحد أو تحميل أي شخص المسؤولية... ولا أحد سيتعرض لذلك". ونقل المقال عن تقرير للجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها أن قوات الاحتلال قتلت خلال العقدين الماضيين عشرين صحافيًا، وكشف التقرير أن سلوك إسرائيل متشابه في جميع الحالات حيث لم يتم توجيه الإتهام لأحد، وحيث تعتمد تحقيقات غامضة لا تؤدي الى الادعاء على أحد حتى عندما تصدر بيانات عن لوم محتمل كما حصل في قضية شيرين أبو عاقلة". وأشارت الصحيفة الى رفض مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزارة الخارجية التعليق على التقرير بينما اصدر الجيش بيانًا مطولًا يعرب فيه عن "اسفه" لأي أذى يلحق بالمدنيين ويقول فيه أنه لا يستهدف غير المقاتلين وان المحكمة العليا تصادق على كل تحقيقاته!

التقرير نفسه كان الموضوع الأبرز لكبرى الصحف اليهودية الأميركية "ذا فوروورد" التي ركزت ما ورد فيه عن اساليب إسرائيل في تضييع وتمييع التحقيق كل مرة يقتل فيها صحافي في مناطق عمليات الجيش حتى عندما يكونون ملتزمين بجميع التدابير الإحترازية ومنها ارتداء سترات تظهر بوضوح مهمتهم الإعلامية، كذلك فعل موقع "انترسبت" المؤثر في الأوساط الإعلامية، وشبكة "سي. ان. ان"، وموقع "باكس كريستي" والعديد من المجلات المتخصصة، كما نقلت صحف محلية واقليمية كثيرة التقرير كما ورد في وكالة "اسوشييتد برس".

 لم يتعود القارئ الأميركي، خصوصًا ذو الأصول العربية، على هذا النوع من التغطية لأخبار وأحداث تتعلق بإسرائيل، وقد لا يلام أحد على عدم توقع أية موضوعية أو حيادية في هذا المجال، فلطالما تبنى الإعلام الأميركي ككل الرواية الإسرائيلية حرفيًا وكان أكثر صهيونية من الإعلام الإسرائيلي نفسه، تمامًا كما أن الكونغرس أكثر حرصًا على حكومات تل ابيب من الكنيست نفسه، وهذا ما تبين في الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس النواب الأميركي الى إسرائيل الأسبوع الماضي، حيث جاهر من تل ابيب بانتقاد الرئيس جوزيف بايدن لأنه لم يوجه دعوة رسمية بعد لبنيامين نتنياهو لزيارة البيت الأبيض ووجه اليه دعوة لزيارة واشنطن والقاء كلمة امام الكونغرس، نكاية ببايدن، كما فعل سلفه جون باينر عام 2015 عندما وجه دعوة لنتنياهو نفسه ليلقي كلمة في الكونغرس ليعلن معارضته للإتفاق النووي الذي كانت إدارة باراك أوباما تسعى اليه مع ايران.   

الّا أن الدعم اللامشروط لإسرائيل والذي ترفده الكنائس، وخصوصًا المعمدانية والبروتستانتية، بمعتقدات دينية قيامية، بدأ في السنوات الأخيرة في الإنحسار ببطء، في ظل الجنوح الإسرائيلي نحو المزيد من التطرف الموازي لجنوح مماثل في أوساط المحافظين الأميركيين وهو ما ساهم في تحويل الموقف من إسرائيل الى قضية خلافية للمرة الأولى منذ نشأة الكيان، كذلك أدى نزوع الجيل الجديد من اليهود الأميركيين، الذين يحظون بنفوذ هائل في الحزب الديمقراطي، نحو المزيد من الليبرالية الى التخلي التدريجي عن الأجندة الصهيونية، وكانت أفضل ترجمة لذلك إنشاء مؤسسة "جاي ستريت" التي تستقطب العديد من كبار الشخصيات السياسية والأكاديمية اليهودية الأميركية والنشطاء وقدامى الدبلوماسيين الذين يدعون الى حل الدولتين ويحملون اليمين الإسرائيلي مسؤولية نسف عملية السلام وتخريب المفاوضات كلما حققت أي تقدم، فضلًا عن الدور الهام الذي لعبته حركة "بي. دي. أس" التي قادها الطلاب الجامعيون لمقاطعة المستوطنات وداعمي الاحتلال. 

شجع هذا التحول عددًا مرموقًا من الشيوخ والنواب الديمقراطيين على انتقاد إسرائيل ومطالبة الإدارة بالضغط عليها، كذلك اضطر الإعلام الذي كان حصنًا منيعًا لإسرائيل الى الإعتراف بالواقع المستجد والتعامل معه، خصوصًا وأن المطالبة لم تعد تقتصر على العرب الأميركيين وحدهم، لكن ما يثير الأسى هو الحاجة الدائمة الى ثمن انساني باهظ للحصول على بعض المكاسب الإعلامية بالنقاط. وعلى أمل أن يتوصل التحقيق الذي باشره مكتب التحقيق الفدرالي (إف. بي. آي) الخريف الماضي، الى نتائج ملموسة، يبقى التحول الإعلامي على محدوديته خطوة في الإتجاه الصحيح مهما كانت متأخرة. 

الزميلة شيرين أبو عاقلة، كانت في حياتها ومهنتها مؤثرة وقادرة على صناعة الفارق لصالح المضطهدين، وها هي باستشهادها تساهم في صناعة نقلة مهنية طال انتظارها في الإعلام الأميركي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها