الخميس 2023/04/27

آخر تحديث: 07:57 (بيروت)

بايدن..التاريخ يعيد نفسه

الخميس 2023/04/27
بايدن..التاريخ يعيد نفسه
increase حجم الخط decrease

حسم الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أي نقاش محتمل داخل الحزب الديمقراطي، وأعلن رسميًا ترشحه لولاية ثانية في الانتخابات التي ستجري في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، محرزًا رقمًا قياسيًا جديدًا كأكبر مرشح سنًا يخوض السباق الى البيت الأبيض، ليكرر على الأرجح المواجهة الصاخبة مع الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يبدو المرشح الأوفر حظًا لتزكية الحزب الجمهوري الذي لم تكتمل فيه بعد الصورة النهائية لقائمة المتنافسين على تأييد التحالف اليميني – الديني المحافظ الموالي في معظمه له على الرغم من خسارته لإنتخابات 2020، ومحاولته العلنية الإنقلاب على نتائجها التي لم يعترف بها حتى الآن.

فعلى الرغم من أرقامه المتدنية في استطلاعات الرأي وعدم إجتيازه عتبة الخمسين بالمئة من الموافقة على أدائه كرئيس طوال أكثر من سنتين، ومن التأييد المنخفض لترشيحه في أوساط ناخبي الحزب الديمقراطي، ومن تقدمه الكبير في السن، حيث سيكون في الحادية والثمانين عند إجراء الانتخابات، ومن ارتفاع أصوات كثيرة داخل حزبه تنادي بإيجاد بديل عنه، تمكن بايدن من استبعاد أي منافس جدي في الحزب الديمقراطي الذي لن يكون عليه الدخول في معارك الانتخابات التمهيدية المكلفة ولا التعرض لمخاطر الإنقسامات الداخلية التي تؤدي عادة الى ضعف الحماس للتصويت في الانتخابات العامة.

ويراهن بايدن وفريقه على ما تحقق في عهده إقتصاديًا وسياسيًا ودوليًا لإقناع الناخبين الليبراليين والمستقلين بضرورة بقائه في البيت الأبيض في ظل الظروف الراهنة والتي تتطلب قيادة متزنة ومجربة. يلعب الاقتصاد في الانتخابات الرئاسية الدور الأهم في الإختيار، وقد نجحت الإدارة الحالية في تجنب الآثار الكارثية للتضخم الذي استقبلها مع الخروج التدريجي من الحالة الوبائية لفيروس كوفيد 19، وزادت منه مضاعفات الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصًا الإرتفاع الكبير في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، ومشاكل توريد السلع والبضائع عالميًا، وتمكنت من إقرار تشريعات مهمة للحد من التضخم الذي انخفض الى ما دون الستة بالمئة وهي أفضل نسبة في كل الدول الصناعية المتقدمة، ولم يكن ذلك على حساب النمو الذي تعرض لضغوط تباطؤ شديدة تمكنت السياسة النقدية والضريبية من التصدي لها وتفادي الركود الذي حذر الخبراء منه.

سياسيًا، أعاد بايدن ترتيب السياق المؤسسي في السلطة التنفيذية بعد الفوضى العارمة لسنوات ترامب، وخفف من حدة الإنقسام الداخلي من خلال صبره في التعامل مع المعتدلين من أعضاء الكونغرس الجمهوريين وبعض المحافظين من الحزب الديمقراطي لينجح في تمرير قوانين مهمة للبنية التحتية والإنتاج التقني الحديث فضلًا عن قانون تخفيض التضخم، على الرغم من الأغلبية الضئيلة جدًا لحزبه في الكونغرس قبل الانتخابات النصفية الأخيرة التي كانت بمثابة استفتاء عملي لصالح بايدن وحزبه الذي حقق نتائج غير متوقعة وتمكن من الإحتفاظ بالغالبية في مجلس الشيوخ، كما حافظ بايدن على رضى الليبراليين من خلال انعاشه للحركة النقابية والتركيز على قضايا المرأة وحق الإجهاض واعفاء الطلاب من بعض القروض التعليمية. ودوليًا إستعاد بايدن الموقع القيادي لأميركا في الغرب بعد ارباكات الإدارة السابقة التي ضعضعت الحلف الأطلسي وأثارت خلافات عشوائية مع حلفاء تقليدين من أوروبا الى استراليا وشرق آسيا.

الّا أن الرهان الأكبر لبايدن يتمثل في وجود ترامب في حلبة السباق، فهذا العامل سيؤدي خلال موسم الانتخابات التمهيدية الطويل الى احياء الخوف من الرئيس السابق على النظام الديمقراطي، وهو ما أدى الى نفور المستقلين من ترامب في الانتخابات الأخيرة، والى اظهار مدى التطرف الذي يهيمن  على الحزب الجمهوري الذي يصعّد حملته ذات النزعات العنصرية والتمييزية ضد النساء والمهاجرين والأقليات من خلال تشريعات عدائية تمنع الإجهاض وتلامس حدود منع تنظيم الأسرة وتستهدف المثليين، وتحظر تدريس التاريخ الأميركي الحقيقي الذي يتناول العبودية والفصل العنصري وابادة السكان الأصليين، وتهدف الى الغاء أجزاء مهمة من شبكة الأمان الاجتماعي مثل برامج البطالة والتقاعد والتأمين الصحي للمسنين، وهذا ما تنضح به التشريعات والمراسيم التنفيذية التي يسنها مجلس النواب ذي الغالبية الجمهورية وحكومات الولايات التي يحكمها المحافظون، وما دام ترامب في الصورة فإن التحالف الذي بناه من القوميين المسيحيين والنازية الجديدة والميليشيات ومروجي نظريات المؤامرة سيبقى صاحب الصوت الأعلى.

حتى الآن لم يعلن أي سياسي جمهوري وازن ترشحه رسميًا لمنافسة ترامب على تزكية المحافظين، ومع أن اسم حاكم ولاية فلوريدا رونالد ديسانتس مطروح بقوة من قبل خصوم ترامب في الحزب، ينطوي ترشيحه اذا اعلن عنه على ثغرات يصعب تلافيها في مواجهة عرّابه السابق، فهو في خضم سعيه لكسب القاعدة الصلبة للمحافظين والتي تؤيد ترامب بأكثرية كبيرة عمد الى سياسات متطرفة تجاه الإجهاض والمثليين والنقابات والجامعات وسن تشريعات تحظر تداول بعض الكتب وتفرض سياسات تربوية متشددة في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية بشكل لم تتعوده أميركا في تاريخها الحديث، مما يجعله مثل ترامب إن لم يكن أسوأ في نظر المستقلين الذين تحسم أصواتهم مصير الانتخابات الرئاسية. في المنقلب الآخر لم يترشح منافس لبايدن سوى المحامي روبرت كينيدي الإبن (69 عامًا) الذي لا يحمل من ارث عائلته الديمقراطية العريقة سوى الإسم الأخير، فهو أقرب الى المحافظين المتشددين من بعض الجمهوريين واستغل اسم والده الذي اغتيل اثناء حملته الرئاسية عام 1968، واسم عائلته ليصبح نجمًا لنظريات المؤامرة، خصوصًا ما يتعلق باللقاحات التي يدعي انها تسبب مرض التوحد ومشاكل صحية أخرى، والذي قدم أوراق ترشيحه مؤخرًا وليس في برنامجه سوى الموقف السلبي من اللقاحات التي يعتبرها العدو الأول للديمقراطية وهذا موقف لا يناسب مزاج الليبراليين ولن يصب أية مياه في طواحينه.

هذه الصورة تقود الى استنتاج اولي باحتمال تكرار جولة 2020 بين بايدن وترامب إذا لم تحدث مفاجآت صحية للأول أو مفاجآت صحية أو قانونية للأخير، وهذا يعني أن على الأميركيين أن يختاروا بين السيء والأسوأ حيث تظهر استطلاعات الرأي الحديثة أن لا مرشح مفضلاً. ففي استطلاع أجرته شبكة (إن. بي. سي) قال أن حوالي 70% من الأميركيين أنهم يعتقدون ان الأمة تسير على الطريق الخطأ وأن 41% فقط قد يصوتون لبايدن مقابل 47 لصالح مرشح جمهوري، هذا ليس في صالح الرئيس، لكن الإستطلاع نفسه يشير الى أن النسبة نفسها من الجمهوريين تؤيد ترشيح الرئيس السابق، وأن 68% منهم يرون في الادعاء القضائي على ترامب استهدافًا سياسيًا يجعلهم مصرين على التصويت له. لكن الفارق يتضح في الانتخابات التمهيدية حيث يؤيد الديمقراطيون بايدن بنسبة 82% مقابل 68% من الجمهوريين لترامب، كذلك يتمتع بايدن بامتياز عشر نقاط تأييد أكثر من ترامب من حيث الثقة الشعبية به وهي منخفضة (38 ضد بايدن و48 ضد ترامب).

في السياسة الأميركية يعتبر الفاصل الزمني عن الانتخابات المقبلة دهرًا، لكن الجولة المقبلة تبدو شبه محسومة ورهان بايدن سيكون بلا شك على مواجهة مع ترامب تكرر نتائج الـ 2020.        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها