الأربعاء 2023/04/26

آخر تحديث: 07:19 (بيروت)

ممنوع على السوريين تنفس هوائنا تحت طائلة المسؤولية

الأربعاء 2023/04/26
ممنوع على السوريين تنفس هوائنا تحت طائلة المسؤولية
لافتة ممنوع تجوال السوريين صارت موضة قديمة (المدن)
increase حجم الخط decrease

الرجل الذي أطلق "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي"، لماذا لم يخرج إلى العلن بشارب مُربّع؟
ألقى مارون الخولي خطاباً بالفصحى هشّم فيه قواعد اللغة العربية بصرفها ونحوها. لم يدع خطأ يفلت منه. كأنه نكايةً تقصّد هذا الكم المهول من الأخطاء. تحدث بحماسة توازي تقريباً تلك التي كانت لدى النازي الشهير على المنبر. لم ينقصه إلا الشارب والذراع الممدودة بالكف المفتوحة، والشعار على الكتف.
نموذج كهذا، يحيط به من يهز برأسه مستمتعاً، لم يعد عنصريةً لبنانيةً عاديةً، من تلك التي نألفها عن أنفسنا ويحفظها عنا العالم الخارجي. من نوع لافتات "ممنوع تجوال العمال السوريين بعد الثامنة مساءً تحت طائلة المسؤولية". تطورنا من هذا النوع العنصري البدائي إلى نازية جديدة تحرم السوريين في لبنان من ترف التنفس. تحكي عنهم ككتلة، كجسم شديد الغرابة تأتي منه كل الشرور. كمؤامرة.
برأي "النقابي"، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، السوريون "خطر ديموغرافي داهم على لبنان أرضاً وشعباً وثقافة". خطر "ساهم في تدمير اقتصادنا وبنيتنا التحتية وسرقة مياهنا وكهربائنا وفي تلويث أرضنا وهوائنا وثقافتنا وقيمنا". لوّث السوريون هواءنا إذاً. حتى الأوكسيجن الذي يتنفسه اللبنانيون سرقوه. كيف؟ لا ندري.
بناء على استنتاجه، أطلق الرجل حملة تحريرنا منهم، ووضع مجموعة مطالب وأعلن التحضير "لشبكة من التحالفات من هيئات وجمعيات ونقابات وقادة رأي ومحامين وإعلاميين وصحافيين وكتاب وأدباء وفنانين وطلاب وعمال على مستوى الوطن، للعمل على مواجهة المحتل وداعميه ولمقاومته". سيجدهم لا شك. لكنهم لا يكفون. يحتاج إلى المزيد من المقاومين. لذا، دعا إلى تأليف "لجان أهلية" مهمتها إحصاء السوريين والدفاع عن أحيائها من الأخطار الأمنية عبر تكوين شراكات مع الشرطة البلدية والقوى الأمنية". لم يذكر أنواع الأسلحة التي يفترض أن تحملها هذه اللجان، أو شكل الحواجز التي ستقيمها. في أي ساعات من الليل والنهار ستدق على أبواب السوريين لتحصي أعدادهم.
نسي أيضاً أن يطلب من اللجان إجبار السوريين على ربط سواعدهم بشريط أصفر يدل على هويتهم، أو أنه ترك الأمر لمخيلة اللجان الواسعة.
خطاب الخولي شديد الجرأة في عنفه المعلن، لكنه صادق على الأقل، والأسوأ أنه ليس نافراً. ثمة ما يشبه الاتفاق الضمني بين كل الطوائف والأطراف السياسية والزعامات الروحية والمؤسسات الإعلامية وذباب وسائل التواصل الاجتماعي وناشطيه على إعلان حرب ضد السوريين، أو الاكتفاء بالصمت كأقل الإيمان. حرب منظمة هي تلك التي كانت تشن على جماعات محددة تمهيداُ لاندلاع عنف ممنهج ضدها يصل إلى حد الإبادات الجماعية. حرب لشحن نفوس اللبنانيين وتهييج أشجانهم ضد هؤلاء القذرين الآتين من الشرق بعاداتهم وريفيتهم البالية، أطفالهم يسبحون في البرك العامة، وعائلاتهم تلوث الكورنيش بالنفايات، شبانهم يسطون على المحلات أو يسرقون لقمة اللبناني من فمه، إذ يأخذون منه عمله. متعددو الزيجات، كثيرو الإنجاب. تسببوا بالانهيار الاقتصادي وبدمار البنى التحتية. سيتفوقون عددياً على اللبنانيين. علينا مقاومتهم وإلا انفجروا في وجهنا كما انفجر الفلسطينيون قبلهم. ماذا أيضاً؟ يكاد يستحيل رصد النشاط اليومي للتهجم على السوريين مؤخراً، من السياسيين وصولاً إلى بيانات بلديات أو حملات كالتي أطلقها الوطني أعلاه.. هجوم يبدأ دائماً بعبارة أيقونية: "فليقولوا عني عنصري.. أنا عنصري". حين يبدأ مطلق شخص كلامه بعبارة كهذه، يكون قد أمّن لنفسه استباحة كل شيء، بدءاً من تخوين قلّة لبنانية ترى في هذا الشحن الجماعي نوعاً مميزاً من الغباء الاستراتيجي لا يؤدي بالعادة إلا إلى العنف، انتهاء بالسوريين الذين من حقهم أن يصابوا بالرعب من هذا السعار العظيم ضدهم.

العنصرية اللبنانية ضد السوريين ليست خبزاً طازجاً. لطالما كانت حاضرة، ولطالما تلونت وتنوعت بتلون الطوائف وتنوعاتها. لكنها هذه المرة تأخذ شكل معادلة ذهبية من شعب وأحزاب وقوى عسكرية ورؤساء طوائف وأذرع إعلامية. هذه الوحدة اللبنانية الطارئة التي تبدو كأنها انطلقت في لحظة صفر، بكلمة سر، هي أرض خصبة لأن يشعر المتطرفون بأنهم محميون إذا تصرفوا. إذا اعتدوا على سوري هنا أو أحرقوا مخيماً هناك. إذا نزعوا عن السوري إنسانيته ووصموه بالنعوت التي أخفّها شتيمة. البيئة العدائية لحظة مؤاتية لسحق الضعيف، لاتهامه بكل أسباب الخذلان الذي يعيشه اللبنانيون، والذي لا يد للسوري فيه، فلا هو الذي دمر بنية تحتية بلا حول ولا قوة، ولا هو الذي فجر المرفأ، ولا هو الذي حجز أموال اللبنانيين في المصارف، ولا هو المسؤول عن تبخر هذه الأموال، ولا هو الذي ساهم في انهيار العملة. ليس مسؤولاً بالطبع، لكنه الأضعف. من السهل على اللبنانيين التصويب على السوريين وتحميلهم كل الذنوب. لكنه استسهال في غير محله. فقد يشفي غليلهم مؤقتاً. يرضي بعض غرورهم بمجد سابق لم يكن، يدغدغ ولعهم بفوقيتهم، لكنه لن يحل مشاكلهم. هم يعلمون أن المعضلة في مكان آخر. يعلمون أن من يسوقهم إلى هذه الحرب غير المتكافئة مع السوريين يريدهم أن يغضوا النظر عن عجزه التام في فتح ولو كوة صغيرة في هذا الجدار العالي السميك للأزمة اللبنانية. يعلم اللبنانيون هذا على الأرجح، ومع ذلك يستسلمون للتيار الجارف من الشوارب المربّعة المخيفة، العائمة على غير هدى.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها