الخميس 2023/03/09

آخر تحديث: 10:21 (بيروت)

المرأة الموؤدة..في عيدها

الخميس 2023/03/09
المرأة الموؤدة..في عيدها
increase حجم الخط decrease

 لا ينطبق على ظاهرة تسميم طالبات ايران وصف الثورة المضادة، التي يقودها خوارج السلطة الايرانية والغلاة المنشقين عنها. هي، بلا جدال، واحدة من أخطر علامات التفكك في المجتمع الايراني، الذي أحيا قبل ايام الذكرى ال44 لثورته الاسلامية، على هامش ثورة أنثوية باهرة تنقضها وتناقضها، وتنفي شرعية الدولة التي انتجتها الخمينية طوال العقود الاربعة الماضية، والتي عادت الى سيرتها الاولى، كفكرة وتجربة لا تختلف كثيرا عن النموذج المشين الذي قدمته حركة طالبان الافغانية منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم..والذي كان يعتقد انه مجرد استثناء للقواعد والاحكام والتقاليد الاسلامية المعتمدة في بقية انحاء العالم الاسلامي.

زوال الفوارق والحدود بين الجارتين الاسلاميتين، ايران وافغانستان، ما زال قيد الاختبار. والمرأة في البلدين هي العنوان الرئيسي. والعالم الاسلامي الذي لم يوفر جهداً  لاقناع حركة طالبان باحترام حق الفتيات والنساء الافغانيات بالعلم والعمل، من دون جدوى حتى الآن، بات عليه ان يتعامل مع فضيحة جديدة، أكبر وأقرب الى العمق الاسلامي، وهي تمس جوهر العقيدة، وصورتها، وإلتباساتها العديدة في التعامل مع موضوع بالغ الاهمية والحساسية مثل المرأة بشكل عام، سواء في مقاربة النص الديني نفسه، او في ترجمته الاشكالية المعاصرة المبنية على تاريخ الشرق نفسه، وعلى تجارب الغرب ايضا.

الثورة الانثوية الايرانية المذهلة كانت وستبقى هي الحاجز الاهم دون زوال الفوارق والحدود مع افغانستان. وقد كان الاضطهاد المتجدد للمرأة الافغانية على يد حركة طالبان أحد أهم حوافز نزول فتيات ايران الى الشوارع احتجاجا على "الطالبانيين الايرانيين"في الخريف الماضي، حسب شعاراتهن وسلوكياتهن ومطالبهن التي ارتفعت تدريجيا في وجه السلطة في ايران عندما كانت تستلهم  سلوك طالبان وتدفعه الى حد الاقصى الحالي، اللجوء الى تسميم الطالبات الايرانيات، الذي يبدو انه خيار يقع في الوسط بين الحاجة الى حظر تعليم البنات، وبين الرغبة الدفينة باللجوء الى وأدهن..

جرى اعتماد الخيار "الأسلم"، الآن ، أي الترهيب الذي يفترض إخراج طالبات إيران من النظام التربوي والتعليمي، ويفرض عليهن البقاء في منازلهن. وهو خيار  لا يصدر سوى من فرقة حشاشين، او داعشيين. الرعب الذي تعيشه إيران منذ بدء هذه الظاهرة في تشرين الثاني الماضي في مدارس مدينة قم، قبل ان يمتد الى مختلف المدن والمحافظات، ويكاد يعطل تماما العام الدراسي الحالي، لنصف المجتمع الايراني، ينبىء بما هو أسوأ من اي صراع سياسي داخلي. والارتباك الذي تبديه السلطة إزاء هذه الظاهرة الاخطر في التاريخ الاسلامي الحديث، لا يدع مجالا للشك في ان منفذي هذه الاعتداءات على مدارس البنات هم خريجو صفوف السلطة وحافظو خطابها..وورثة ثورتها وسلوكياتها.

هؤلاء الورثة الشرعيون يرون بأم العين أن ثورتهم إنمحت، وسلطتهم تفككت، الى ما دون الانقسام القديم بين محافظين واصلاحيين،  فقرروا اعلان التكفير والهجرة ، وتشكيل تلك "الفرقة الناجية"، التي تكلف نفسها ، او بالاحرى تتلقى التكليف من أحد كبار مراجع المؤسسة الدينية في قم، وهم كثر في الغلو،  من اجل وقف انهيار الدولة الخمينية، او الانتحار دفاعاً عنها.. او ربما الفرار في مرحلة لاحقة الى البراري الافغانية، حيث الاسلام الطالباني الاصيل، الذي يحرج المسلمين في مختلف أنحاء العالم ويخرجهم عن دينهم. وهو ما تسهم به إيران التي عجزت عن بناء دولة ناجحة، وعن تشكيل سلطة محافظة عاقلة، أو عن الاحتفاظ بمعارضة اصلاحية معقولة..فانجنبت تلك "الفرقة الناجية"، التي لا يمكن ان تعرف بأنها تقود ثورة مضادة على الثورة الانثوية، لأنها تصنع فضيحة مدوّية، في تاريخ إيران الحديث، وتاريخ الاسلام  المعاصر.  

 

 

 

 

        

 

     

   

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها