الأربعاء 2023/03/08

آخر تحديث: 16:24 (بيروت)

نظام الأسد ليس قدراً محتوماً

الأربعاء 2023/03/08
نظام الأسد ليس قدراً محتوماً
تظاهرة لسوريين تحت علم الثورة، في ساحة الأمم المتحدة في بون-ألمانيا، للمطالبة بمساعدة فاعلة المتضررين من الزلزال (غيتي)
increase حجم الخط decrease

في مجتمعات ايمانية بغالبيتها، مثل المجتمع السوري، وعندما يضرب الزلزال شمال غربي البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة، فيدمرها ويضعفها، فيما تتهاطل المساعدات على عدوها/النظام الذي تصارعه منذ أكثر من عقد من الزمان، فيخرجه الزلزال من مآزقه بما فيها العزلة الدبلوماسية... حينذاك، لا يستطيع المرء أن يقاوم تسلل فكرة من لا وعيه الديني إلى وعيه السياسي، مفادها أن هذا النظام قدر محتوم قرره خالق الكون، وأن التمرد عليه غير مُجدٍ مهما بلغ حجم التضحيات التي قدمت أو يمكن لتلك الجماعة تقديمها، ويبلغ اليأس أعلى مستوياته مع تسابق الدول العربية والإقليمية لعرض خدماتها على السفاح في مزاد علني مؤلم ولا إنساني.

لكن الأمر من كل جوانبه، لا يعدو كونه فصلاً ناجحاً من فصول الحرب النفسية واسعة النطاق التي تستهدف شعباً بكامله، وتسعى إلى إحداث ردّ فعل نفسي مخطط له، وتستغل فيه وسائل عديدة بما فيها الكارثة الطبيعية والاعتقادات العميقة، لإشاعة الإحباط العام، تمهيداً لانتزاع الاستسلام والخضوع.

ولأن العملية في جوهرها موجهة للرأي العام السوري المُعارض، فإن مهمة مواجهته تقع بالدرجة الأولى على قادة الرأي ومن يتخيلون أنهم زعماء سياسيون للشعب. فاللحظة هي لحظتهم، والميدان هو ميدانهم، وعليهم أن يثبتوا أن لهم دوراً مفصلياً في اللحظات التاريخية والأزمات المفصلية، وهو تثبيت شعوبهم ومجتمعاتهم على الاعتقادات الصحيحة، وإرشادهم إلى سبل مواجهة التحديات التي تحيق بهم، والأهم من ذلك الاتسام بالشجاعة والثبات الفكري والنفسي الملهم لعموم الناس.

وفي قضية وطنية مثل القضية السورية، على المثقفين والناطقين الإعلاميين كما السياسيين وقادة المؤسسات، أن يحصنوا إيمان الشعب بنفسه وقوته الذاتية، بإعادة توجيه اهتمامه إلى الهدف السامي الذي انطلقت الثورة السورية لتحقيقه وهو إسقاط نظام الإبادة الجماعية، ولفت نظره إلى التضحيات التي لم يسبق لشعب أن قدمها في سبيل حريته وكرامته. وأخيراً، إلى المشهد الداخلي على امتداد الأرض السورية، والذي لم ولن يتغير في المدى القريب، فسيطرة النظام محدودة بما تستطيع الطائرات الروسية فعله، والمناطق الخارجة عن سيطرته منذ سنوات ما زالت محصنة ومن الصعب عليه استعادتها سوى بالحيل والخداع، ومنها إيهام معارضيه بأنه انتصر وما عاد من سبيل أمامهم سوى الاستسلام.

تنبع مخاوف السوريين في معظمها من الدائرة الأضعف، وهي العربية والإقليمية، لا سيما بعد مساعي الطرف التركي للتفاهم مع النظام، وما يمكن وصفه بالهبّة العربية لتعويمه، وهذه لا حل لها في الواقع سوى انتظار تفاقم التناقضات الإقليمية عندما تجتمع في حيز واحد. على سبيل المثال، فإن الجانب السعودي الذي يستعد للتطبيع، سيصطدم لامحالة بالنفوذ الإيراني الطاغي، وتركيا لن تقف مكتوفة اليدين عندما يسبقها الآخرون إلى دمشق، ولديها أدوات لتفجير الوضع برمته، عسكرياً مثلاً، كما أن إسرائيل لن تقبل بتسوية لا تضمن خروج المليشيات الإيرانية من سوريا وهذه دونها خرق القتاد.

ولموازنة ما قد يكون خسارات في الإطارين العربي والإقليمي، يمكن للسوريين التطلع إلى النطاق الدولي، وعدم السماح أولاً بعزل القضية السورية عن سياقها العالمي وتحييد دور قوى كبرى مثل أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فالغرب ما زال موقفه مبدئياً وثابتاً من المسألة السورية، خصوصاً على صعيد تصنيف نظام الأسد كمجرم حرب. وما زالت واشنطن حاضرة بقوة على الأرض السورية، ولن يغير من أولوياتها تطبيع إمارة هنا، أو إعادة سفير نظام متهالك هناك. ويعتمد ثبات الموقف الغربي، على ثبات السوريين أنفسهم ووقوفهم عند حقوقهم واستمرار مطالبتهم بها، خصوصاً مع تصاعد المواجهة مع روسيا في أوكرانيا، وانشغال الأخيرة بالصراع هناك. وبالعموم، ما زالت القاعدة المعتمدة دولياً في ما يخص سوريا، سارية المفعول، وهي أن لا فوز لأي من أطراف النزاع في انتظار تبلور موقف أميركي نهائي وحاسم.

خلاصة القول في أمرين. الأول، أن وضع نظام الأسد لن يكون طبيعياً في الأفق المنظور، نظراً لتناقضاته الذاتية ولتناقض الطرف القابض على مصيره وهو إيران، مع المحيطين العربي والإقليمي، ومسار التطبيع سيشهد انتكاسات ما إن يبدأ، مهما كابر الداعون إليه وحاولوا خداع أنفسهم وخداع الآخرين.

والأمر الثاني، أن المسألة السورية يحدد مسارها ومصيرها السوريون أنفسهم، وهنا أعني بالدرجة الأولى المعارضة السياسية السورية والنخبة الثقافية والفكرية القائدة، التي تمسّ الحاجة الآن إليها لتصحيح رؤية المجتمع السوري بعدما تم التشويش عليها لتظليله وايهامه بانتهاء المعركة، عبر بهلوانيات جوفاء، وتجديد السعي من قبل كافة النخب في المسرح الإقليمي والدولي لتذكير الأطراف كافة بأن مصالحهم لن تتحقق عبر استرضاء بشار الأسد وتعويمه، بل عبر استقرار سوريا، وهذا ما لن يكون ممكناً ما لم يحصل الشعب السوري على مطالبه العادلة المشروعة.

أما بالنسبة لفكرة أن نظام الأسد قدر محتوم، وهي أخطر مما نتخيل بالمناسبة، فإنخ لا ردّ عليها سوى القول بأن الحتمية الوحيدة التي يمكن الدفاع عنها منطقياً وأخلاقياً هي أن هذا النظام سيسقط ذات يوم، طال به الزمان أو قصر، شأنه شأن كل الأنظمة الديكتاتورية القاتلة، وسيصبح رمزاً بغيضاً لكل ما هو قبيح وبشع في تاريخنا البشري، وسيلحق العار بكل من ضعف وهان، فطبّع واستكان. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها