الأربعاء 2023/03/08

آخر تحديث: 14:43 (بيروت)

إنقاذ إسرائيل من نفسها

الأربعاء 2023/03/08
إنقاذ إسرائيل من نفسها
increase حجم الخط decrease
أعلن معظم طيّاري الاحتياط في السرب 69 الجوي الإسرائيلي، عدم الامتثال للخدمة في يوم الاحتياط هذا الأسبوع، اعتراضاً على "إصلاحات النظام القضائي" التي يدفع بها نتنياهو وحلفاؤه في الكنيست. هذا الاحتجاج ضد ما يطلق عليه الكثيرون "الانقلاب"، استدعى ردود أفعال متخوفة على أمن الدولة ومستقبلها. فالسرب 69 هو سرب طائرات "راعم"(إف 15 آي)، ومن دونه، على سبيل المثال، لا يمكن توجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية. مئات آخرون من طواقم الاحتياط في الطيران العسكري الإسرائيلي، أعلنوا مشاركتهم في مبادرات احتجاجية أخرى ضد تحركات الحكومة، وبعضهم صرّح بالتوجه إلى واشنطن بعريضة تطالب بمزيد من الضغط، لإنقاذ إسرائيل من نفسها. وفي الخلفية، تحتفي الصحافة الإسرائيلية المُعارِضة، بسلاح الجو الذي أنقذ الدولة العام 1967، وينقذها اليوم للمرة الثانية، بالدفاع عن ديموقراطيتها.


بشكل لا يحتمل اللبس، يمثل نظام الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، عنصر التماهي الكامل في المجتمع بين المدني والعسكري. يتطوع طيارو الاحتياط في السرب 69، للتدريب بشكل دوري، بلا مقابل، كي يكونوا وبشكل دائم محافظين على قوة الجيش حال استدعائهم في مهام قتالية. هكذا يعيش هؤلاء حياة مزدوجة، بشكل متواصل، بحسب جدول أسبوعي. قد يقصف هؤلاء مباني سكنية في غزة، يوم الأربعاء، والخميس قد يكون أحدهم على متن طائرة تجارية متجهة إلى لندن أو سان فرانسيسكو من أجل لقاء عمل يتعلق بشركة البرمجيات الأمنية التي يمتلكها، وفي عطلة نهاية الأسبوع قد يرتادون مع أسرهم أحد شواطئ تل أبيب المشمسة لتناول الجعة.

مثل هذا النموذج القائم على المثال الإسبرطي، يستدعي مخاوف طياري الاحتياط على المستويين المدني والعسكري. ففقدان القضاء الأعلى لاستقلاليته، بحسب التعديلات المقترحة، يعنى هبوط إسرائيل في معايير الديموقراطية، وتحولها -كما تقول الصحافة الإسرائيلية- إلى "بلغاريا أو بولندا أخرى". عسكرياً، قد يعني هذا تشكيكاً في كفاية القضاء الإسرائيلي، وربما لوحق طيارو السرب 69، وغيرهم، في محاكم الخارج، بناء على اتهامات بجرائم حرب. أو، بمعنى آخر، فإن اهتزاز الديموقراطية الإسرائيلية من الممكن أن يستتبعه في المدى الطويل، رفع الحصانة شبه المطلقة المتمتع بها جيش الدفاع وجنوده. في الجانب المدني، تخشى قطاعات الخدمات والتكنولوجيا على وجه التحديد، هروب رؤوس الأموال، فمعايير الشفافية والنزاهة العدلية والحوكمة تؤثر في التصنيف الائتماني وجاذبية الاقتصاد للاستثمارات.

هكذا، تتضح فاعلية شعار "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". ففي الديموقراطية الإسرائيلية -وهي ديمقراطية حقاً لولا أنها مُعرقَنة وانتقائية ومؤسَّسة على حرمان السكان الفلسطينيين من كل الحقوق أو معظمها- يكون استقلال القضاء هو الضامن الوحيد للإفلات من المحاسبة على جرائم الحرب والتطهير العرقي. وفيها أيضاً، تكون معايير الشفافية العدلية هي بُنية الاستمرارية لتمويل نظام للفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.

لا يعني هذا أن الديموقراطية الإسرائيلية صُورية، بل على العكس هي أقرب إلى المثالية. لكنها، ومع مثالياتها، ذات طبيعة مزدوجة، تسير على حبلَين، فضمانة العدالة للإسرائيلي تسير يداً بيد مع حرمان الآخر منها، أي إخضاع السكان الفلسطينيين للأحكام العسكرية والاعتقالات الإدارية والاغتيالات والعقوبات الجماعية. عملياً لا يتمتع الفلسطيني بحماية أي قانون، سوى بأشكال انتقائية واعتباطية ومتقطعة. وليس هذا بتعارض أو تناقض داخلي، بل هو جوهر "الديموقراطية" الإسرائيلية ومحركها.

أما كيفية تبرير تلك الازدواجية، فعبر "الديموقراطية" ذاتها. فغير نجاعتها في إدارة الصراع على السلطة داخلياً، فهي تظل المعيار الرئيسي للتفوق الأخلاقي على ضحاياها، ووسام الانتماء للحضارة الغربية وما يتبعه ذلك من استحقاقات. وفي المقابل، فإن افتراض لا-ديموقراطية الفلسطينيين والجيران الآخرين كاف لتسويغ حرمانهم من كافة الحقوق.

الأزمة الحالية، لا تبدو أنها خدشت صورة إسرائيل بل أعادت صقلها، وترسيخ تصويرها كمجتمع حيوي ينتفض مواطنوه للدفاع عن قيم فصل السلطات واستقلاليتها، في وجه حفنة من ساسة متعصبين وسلطويين. تؤكد الاحتجاجات المتواصلة في الشوارع، والمشاركة العسكرية فيها بوسائل مختلفة، مكانة إسرائيل داخل المنظومة الغربية للقيم. على الأغلب خسرت حكومة نتنياهو معركة "الانقلاب"، وانتصرت "الديموقراطية"، إلى حين، وستعود طائرات "راعم" لمواصلة قصفها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها