الجمعة 2023/03/03

آخر تحديث: 20:20 (بيروت)

حوارة الفلسطينية..نقطة البداية

الجمعة 2023/03/03
حوارة الفلسطينية..نقطة البداية
increase حجم الخط decrease

يُمثل اعتداء المستوطنين على بلدة حوارة الفلسطينية نموذجاً عملياً لخطاب أحزاب اليمين المتطرف والممثلة الآن بوزيري المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والأمن الداخلي (أو الأمن القومي) إيتمار بن غفير. في صلب أجندة هذه القوى، كما جاء في خطابها على مدى العقود الماضية، مواجهة "التهديد الديموغرافي" الفلسطيني من خلال طرد الفلسطينيين أو تشجيعهم على الهجرة، وعبر رفع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية.

بن غفير مثلاً كان يُفكر في استحداث وزارة للهجرة تتولى إرسال الفلسطينيين إلى دول أوروبا التي ترغب بالأيدي العاملة، في حين يرفع وتيرة الهجرة اليهودية إلى الأراضي المحتلة، لمقاومة التغييرات الديموغرافية. كلام هذه القوى تأرجح بين نقل الفلسطينيين الى الأردن وغزة ولبنان، وبين تهجيرهم خارج المنطقة بالكامل. 

ودخول هذا الخطاب في الساحة السياسية، والتصويت للأحزاب التي تحمله بكثافة في الانتخابات الأخيرة، أفسحا في المجال أمام حصول سموتريتش وبن غفير على وزارتين أساسيتين مع صلاحيات موسعة. ذاك أن هذا الخطاب يعكس إرادة شعبية في الداخل الإسرائيلي، وهي ليست بعيدة أساساً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تولى تعزيز الاستيطان خلال عقود وجوده بالسلطة، بما أدى الى تفكيك مشروع الدولة الفلسطينية، وتحويل السلطة وأجهزتها الى مجرد أداة مترددة.

لكن أليس منع ولادة دولة فلسطينية ورفع وتيرة الاستيطان، وهما عمادا السياسة الإسرائيلية خلال العقود الماضية، على تماس مع أهداف اليمين المتطرف؟ الفارق هنا هو استعداد سموتريتش وبن غفير للجوء الى سلاح أعمال الشغب وميليشيات المستوطنين لإلحاق عقاب جماعي ببلدات فلسطينية، بهدف تحفيز سكانها على المغادرة. لا موانع ولا مخاوف لدى هؤلاء وهم يضعون السياسات ويُجربون، ويُحاولون التأسيس لنهج جديد في السلطة.

لهذا كانت دعوة سموتريتش "لمحو" بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية وعلى أيدي الدولة الإسرائيلية، لا المستوطنين المسلحين (والذين يحظون كذلك بحماية من الجيش الإسرائيلي)، يُؤسس لنهج جديد، وليس مجرد تصريح عابر، ورغم موجة الادانات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأيضاً بعض أقطاب الداخل الإسرائيلي. 

والأحداث في الضفة الغربية غير منفصلة عن بقية سياسات هؤلاء الوزراء. هل هناك ارتباط بين الاعتداء على حوارة، وخطوة بن غفير تفكيك وحدة خاصة لمكافحة الجرائم في البلدات العربية داخل إسرائيل، وسط ارتفاع ملحوظ في عدد الضحايا (أكثر من ثمانين بالمئة من ضحايا الجرائم في اسرائيل من العرب، رغم تمثيلهم أقلية سكانية)؟ إذا كانت بالفعل هناك نية وخطة منظمة بجعل الحياة أكثر وأكثر صعوبة للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية وفي الضفة الغربية، فإننا أمام تحول في مسار العنف والتهجير. ومثل هذا العنف سيُقيض له الازدياد لو تزامن مع مواجهة عسكرية محتملة مع إيران وحلفائها في المنطقة. الحرب ستُوفر غطاء لعقاب جماعي بحق الفلسطينيين، وباستخدام سلاح المستوطنين، لا الجيش وحده.

في موازاة ذلك، ورغم وجود حركة احتجاجية واسعة ضد نتنياهو، سيُضطر رئيس الوزراء الحالي الى الاعتماد أكثر على حلفائه اليمينيين. وكما كتب عاموس هآريل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقد نتنياهو عمودين أساسيين لنجاحاته خلال العقود الماضية: أولاً، استقرار أمني يتلاشى اليوم مع العمليات في الضفة الغربية والداخل الاسرائيلي، وثانياً نمو اقتصادي نتيجة ثورة التكنولوجيا في الداخل. اقتصادياً، هناك مؤشرات سلبية مثل فرار رؤوس الأموال من إسرائيل للخارج، وكذلك خفض قيمة الشيكل مقابل الدولار الأميركي.

إذا كانت قدرة نتنياهو على تحقيق شعبية له وللائتلاف الذي يقوده، تتراجع نتيجة تدهور الوضعين الاقتصادي والأمني، هل يتجه لتبني كامل مشروع حلفائه، ولو بشكل غير مباشر؟ السياسات الإسرائيلية المقبلة واحتمالات الحرب، لا الضغوط الخارجية الضعيفة حالياً، ستُحدد هذا المسار.


 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها