الأربعاء 2023/03/29

آخر تحديث: 06:38 (بيروت)

حمزة يوسف:الاستثناء البريطاني في القارة العجوز

الأربعاء 2023/03/29
حمزة يوسف:الاستثناء البريطاني في القارة العجوز
حمزة يوسف مع عائلته، وتبدو إلى اليمين زوجته نادية نقلة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في خطبة الفوز بزعامة الحزب القومي الإسكتلندي، وقف حمزة يوسف أمام أعضاء حزبه متذكراً جدّه لوالده الذي وصل إلى المملكة المتحدة مهاجراً من باكستان في الستينيات، ليعمل في مصنع "سينغر" لماكينات الخياطة، وأيضاً جدّته القادمة من البلد نفسه وعملت كمحصلة تذاكر على خطوط الحافلات العامة. هل كانا ليتخيلا أبداً أن حفيدهما، المهاجر من الجيل الثاني، سيُنتخب رئيساً للحكومة الإسكتلندية؟! يطرح يوسف بنفسه السؤال، ولا يحتاج الرد إلى الكثير من التخمين، بالطبع ستكون الإجابة بالنفي.

ما لم يكن متصوراً على الإطلاق قبل عقود قليلة، صار اليوم ممكناً ببساطة ومن عاديات السياسة البريطانية. بل وحتى لا يجتذب الكثير من الاحتفاء، فالأصول الإثنية لحمزة وديانته لم تحتل من التغطية الإخبارية وتحليلات وسائل الإعلام البريطانية سوى حيز هامشي. فيما تركز الجدل في غالبه على الانقسام العميق داخل الحزب وتراجع عضويته وشعبيته معاً، وعلى التاريخ السياسي ليوسف وأدائه المرتبك كوزير للنقل ولاحقا وزيراً للصحة.

يُعد يوسف ممثلاً للاستمرارية في الحزب، ولتراث سابقته نيكولا ستيرجن، وهو المقرب منها سياسياً وخليفتها المفضل. الهشاشة الأيديولوجية للحزب القومي الإسكتلندي، كونه حزب قضية واحدة، أي قضية الانفصال عن المملكة المتحدة، تجعل من تقاليد التسلّم والتسليم ضرورة للحفاظ على تماسكه. فمظلة الاستقلال تضم تحتها مدى واسعاً من التنويعات السياسية والإيديولوجية.

فاز يوسف بفارق ضئيل أمام منافسته كيت فوربس، والتي مثلت الجناح المحافظ اجتماعياً واليميني في شأن السياسات الاقتصادية داخل الحزب، فيما مثّل هو الجناح الليبرالي من الناحية الاجتماعية ويسار الوسط اقتصادياً. وعلى تلك الخلفية، هدد حزب الخضر بالخروج من الائتلاف الحاكم، حال فوز فوربس وأجندتها اليمينية، وبالتالي إسقاط الحكومة. بحكم تلك المعادلة المعقدة بعواملها الداخلية والمفروضة من خارج الحزب، تحقق الانتصار الصعب والتاريخي.

في العام 2016، وقف يوسف ليتلو قسم الولاء بعد انتخابه عضواً في البرلمان الإسكتلندي، مرتدياً الزي التقليدي الإسكتلندي، بتنورته المميزة. وكما جرى العُرف حيث يتلو أعضاء البرلمان الإسكتلنديين قسمهم باللغة الإنكليزية وبعدها بواحدة من اللغات المحلية كالغيلية، فإن يوسف اختار أن يتلوه بالأردية، وكأنها واحدة من اللغات القومية لإسكتلندا. كان المشهد مثالاً قياسياً ومربكاً لسياسات التعددية الثقافية البريطانية، والتي تبدو نجاحاتها في غير حاجة إلى دليل، مقارنة بسياسات الاندماج والاستيعاب المتبعة في العواصم الأوروبية الأخرى.

في وستمنستر، يترأس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، هندي الأصل وهندوسي، وهو من قرأ قسم تولي منصبه على البهاغافاد غيتا، الكتاب المقدس للهندوس. أما عُمودية العاصمة لندن، وهو منصب قد يحمل صاحبه مباشرة إلى المنافسة على منصب رئاسة الحكومة، فيتقلده في ولاية ثانية مهاجر آخر من الجيل الثاني، بأصول باكستانية وينتمي للطائفة الأحمدية.

من اليمين ومن اليسار، تبسط السياسة البريطانية تلويناً وتنوعاً واسعاً. وفي حالة يوسف، غير أنه أمسى أول رئيس حكومة منتخب مسلم ومن أبناء المهاجرين في القارة العجوز، ففوزه بهذا المنصب على رأس الحزب القومي الإسكتلندي تحديداً يضيف طبقة إضافية من استثنائية الحدث. وأيضاً يقدم دليلاً كاشفاً على مرونة الهويات السياسية المعاصرة في زمن ما بعد الإمبراطورية، وقدرتها على التعدد والاستيعاب في آن.

فالحزب القومي الإسكتلندي القائم على أساس هوياتي بالأساس، والذي اكتسب شعبيته من منطلقات عداء تاريخي تجاه الإنكليز والحكومة في لندن، وبميول انفصالية قوية على أسس ثقافية وعرقية، يصل إلى انتخاب زعيم قومي إسكتلندي، مسلم وأسمر البشرة وناطق بالأردية. أما زوجته، نادية نقلة، وهي سياسية أيضاً وعضو مجلس محلي عن الحزب نفسه، ففخورة بأصولها الفلسطينية التي تعود إلى غزة التي ما زالت عائلتها تقطنها، وهي ناشطة بشكل كبير في الحراك من أجل الحقوق الفلسطينية.

لكن، ومع هذا كله، فالصورة ليست مثالية تماماً، وما يحدث على مستوى النخب السياسية لا يعكس بالضرورة الواقع اليومي. قبل عامين فقط، في العام 2020، لجأ يوسف نفسه إلى القضاء، لرفع قضية تمييز ضد روضة أطفال، رفضت قبول ابنته لأسباب عرقية.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها